المحذوف الخبر ؛ وجوّز ابن عصفور كونه المبتدأ ، ولذلك لم يعدّه فيما يجب فيه حذف الخبر ، لعدم تعيّنه عنده لذلك ، قال : والتقدير إمّا قسمي أيمن الله ، أو أيمن الله قسم لي ، ا ه. ولو قدرت أيمن الله قسمي ، لم يمتنع ؛ إذ المعرفة المتأخّرة عن معرفة يجب كونها الخبر على الصّحيح.
إذا دار الأمر بين كون المحذوف فعلا والباقي فاعلا
وكونه مبتدأ والباقي خبرا ، فالثاني أولى
لأن المبتدأ عين الخبر ؛ فالمحذوف عين الثابت ؛ فيكون الحذف كلا حذف ، فأما الفعل فإنه غير الفاعل.
اللهم إلا أن يعتضد الأول برواية أخرى في ذلك الموضع ، أو بموضع آخر يشبهه ، أو بموضع آت على طريقته.
فالأول كقراءة شعبة : (يُسَبِّحُ لَهُ فِيها) [النور : ٣٦] بفتح الباء ؛ وكقراءة ابن كثير : يسبح له فيها كذلك يوحى إليك وإلى الذين من قبلك الله العزيز الحكيم [الشورى : ٣] بفتح الحاء ؛ وكقراءة بعضهم : (وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ) [الأنعام : ١٣٧] ببناء «زيّن» للمفعول ، ورفع «القتل» و «الشركاء» ـ وكقوله [من الطويل] :
٨٠٧ ـ ليبك يزيد ، ضارع لخصومة |
|
[ومختبط ممّا تطيح الطّوائح](١) |
فيمن رواه مبنيّا للمفعول ، فإن التقدير : يسبّحه رجال ، ويوحيه الله ، وزيّنه شركاؤهم ، ويبكيه ضارع ، ولا تقدر هذه المرفوعات مبتدآت حذفت أخبارها ، لأن هذه الأسماء قد ثبتت فاعليتها في رواية من بنى الفعل فيهنّ للفاعل.
والثاني كقوله تعالى : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ) [الزخرف : ٨٧] ، فلا يقدّر : ليقولن الله خلقهم ، بل : خلقهم الله ؛ لمجيء ذلك في شبه هذا الموضع ، وهو : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ) [الزخرف : ٩] ، وفي مواضع
__________________
(١) البيت من الطويل ، وهو للحارث بن نهيك في خزانة الأدب ١ / ٣٠٣ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ٩٤ ، وللبيد بن ربيعة في ملحق ديوانه ص ٣٦٢ ، ولنهشل بن حري في خزانة الأدب ١ / ٣٠٣ ، ولضرار بن نهشل في الدرر ٢ / ٢٨٦.