ولهذا عدّي بمن لا بنفسه ، وقوله تعالى : (لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ) [البقرة : ٢٢٦] أي يمتنعون من وطء نسائهم بالحلف ؛ فلهذا عدّي بمن ، ولما خفي التضمين على بعضهم في الآية ، ورأى أنه لا يقال «حلف من كذا» بل حلف عليه ـ قال : «من» متعلّقة بمعنى : للذين ، كما تقول : لي منك مبرّة ، قال : وأما قول الفقهاء : «آلى من امرأته» فغلط أوقعهم فيه عدم فهم المتعلّق في الآية ، وقال أبو كبير الهذلي [من الكامل] :
٩٢٩ ـ حملت به في ليلة مزؤودة |
|
كرها ، وعقد نطاقها لم يحلل (١) |
وقال قبله [من الكامل] :
٩٣٠ ـ ممّن حملن به وهنّ عواقد |
|
حبك النّطاق فشبّ غير مهبّل (٢) |
مزؤودة : أي : مذعورة ، ويروى بالجر صفة لـ «ليلة» مثل (وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ) (٤) [الفجر : ٤] ، وبالنصب حالا من «المرأة» ، وليس بقويّ ، مع أنه الحقيقة ، لأن ذكر «الليلة» حينئذ لا كبير فائدة فيه. والشاهد فيهما أنه ضمّن «حمل» معنى «علق» ، ولو لا ذلك لدّي بنفسه مثل (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً) [الأحقاف : ١٥] ، وقال الفرزدق [من الرجز] :
٩٣١ ـ كيف تراني قالبا مجنّي |
|
قد قتل الله زيادا عنّي (٣) |
أي : صرفه عني بالقتل.
وهو كثير ، قال أبو الفتح في كتاب التمام : أحسب لو جمع ما جاء منه لجاء منه كتاب يكون مئين أوراقا.
القاعدة الرابعة
أنهم يغلّبون على الشّيء ما لغيره ، لتناسب بينهما أو اختلاط.
فلهذا قالوا : «الأبوين» في الأب والأمّ ، ومنه (وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ) [النساء : ١١] ، وفي الأب والخالة ، ومنه : (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ) [يوسف : ١٠٠] ،
__________________
(١) البيت من الكامل ، وهو لأبي كبير الهذلي في شرح أشعار الهذليين ٣ / ١٠٧٢ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ٨٧ ، ولسان العرب ١١ / ١٧٦ مادة / حمل / وله أو لابن جمرة في شرح شواهد المغني ١ / ٢٢٦.
(٢) البيت من الكامل ، وهو لأبي كبير الهذلي في الإنصاف ٢ / ٤٨٩ ، وخزانة الأدب ٨ / ١٩٢ ، وشرح أشعار الهذليين ٣ / ١٠٧٢ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٢٢٧ ، ولسان العرب ١١ / ٦٨٨ مادة / هبل /.
(٣) البيت من الرجز ، وهو للفرزدق في لسان العرب مادة (ظهر) ، والخصائص ٢ / ٣١٠ ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ١ / ٢٤٧.