ربك ، فحذف المضاف ، أو : هل تطلب طاعة ربّك في إنزال المائدة أي استجابته ، ومن الثاني (فَاتَّقُوا النَّارَ) [البقرة : ٢٤] أي : فاتّقوا العناد الموجب للنار.
القاعدة السادسة
أنهم يعبّرون عن الماضي والآتي كما يعبّرون عن الشيء الحاضر قصدا لإحضاره في الذهن حتى كأنه مشاهد حالة الإخبار ، نحو : (وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) [النحل : ١٢٤] لأن لام الابتداء للحال ، ونحو : (هذا مِنْ شِيعَتِهِ وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ) [القصص : ١٥] إذ ليس المراد تقريب الرجلين من النبي صلىاللهعليهوسلم ، كما تقول : «هذا كتابك فخذه» ، وإنما الإشارة كانت إليهما في ذلك الوقت هكذا فحكيت ؛ ومثله (وَاللهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً) [فاطر : ٩] قصد بقوله سبحانه وتعالى : (فَتُثِيرُ) إحضار تلك الصورة البديعة الدّالة على القدرة الباهرة من إثارة السحاب ، تبدو أولا قطعا ثم تتضامّ متقلّبة بين أطوار حتى تصير ركاما ؛ ومنه (ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [آل عمران : ٥٩] ، أي : فكان ، (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكانٍ سَحِيقٍ) [الحج : ٣١] ، (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ) [القصص : ٥] إلى قوله تعالى : (وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ) [القصص : ٦] ، ومنه عند الجمهور (وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ) أي : يبسط ذراعيه ، بدليل (وَنُقَلِّبُهُمْ) ولم يقل : وقلبناهم ؛ وبهذا التقرير يندفع قول الكسائي وهشام : إن اسم الفاعل الذي بمعنى الماضي يعمل ، ومثله (وَاللهُ مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) [البقرة : ٧٢] إلا أن هذا على حكاية حال كانت مستقبلة وقت التدارؤ ؛ وفي الآية الأولى حكيت الحال الماضية ، ومثلها قوله [من الرجز] :
٩٣٦ ـ جارية في رمضان الماضي |
|
تقطّع الحديث بالإيماض (١) |
ولو لا حكاية الحال في قول حسان [من الكامل] :
٩٣٧ ـ يغشون حتّى لا تهرّ كلابهم |
|
[لا يسألون عن السّواد المقبل](٢) |
__________________
(١) البيت من المنسرح ، وهو بلا نسبة في خزانة الأدب ، الشاهد / ٥٤٥ /.
(٢) البيت من الرجز ، وهو لرؤبة في ملحق ديوانه ص ١٧٦ ، وخزانة الأدب ٨ / ٢٣٣ ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٢ / ٨١ ، ولسان العرب مادة (رمض).
(٣) البيت من الكامل ، وهو لحسان بن ثابت في ديوانه ص ١٢٣ ، وخزانة الأدب ٢ / ٤١٢ ، والدرر ٤ / ٧٦ ، ـ وشرح شواهد المغني ٢ / ٩٦٤ ، وبلا نسبة في شرح الأشموني ٣ / ٥٦٢.