ولا مدّة الاستقبال معه أضيق منها مع سوف خلافا للبصريين ، ومعنى قول المعربين فيها «حرف تنفيس» حرف توسيع ، وذلك أنها تقلب المضارع من الزمن الضيق ـ وهو الحال ـ إلى الزمن الواسع وهو الاستقبال. وأوضح من عبارتهم قول الزمخشريّ وغيره «حرف استقبال». وزعم بعضهم أنها قد تأتي للاستمرار لا للاستقبال ، ذكر ذلك في قوله تعالى : (سَتَجِدُونَ آخَرِينَ) [النساء : ٩١] الآية ، ...
______________________________________________________
تعالى : (وَسَوْفَ يُؤْتِ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً) [النساء : ١٦٤] وقال تعالى : (وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً) [النساء : ١٦٢] وكأن المصنف ارتضى ما ذهب إليه ابن مالك من أن التنفيس المستفاد منهما غير متفاوت فقال : (ولا مدة الاستقبال معه أضيق منها مع سوف خلافا للبصريين) وقد نوقش ابن مالك بأن قياس أحد المتقابلين على الآخر لا يجدي شيئا ؛ لجواز أن يكون كل منهما مختصا بحكم مقابل لحكم مقابله مع كونهما مشتركين في حكم واحد ، مع أنه قاس بلا جامع صحيح فلا يلتفت إلى ما قاسه ، وأيضا قاس المضارع المقترن بالأداة الموجبة للتخصيص على الماضي المطلق الخالي منها ، وليس ذلك بصحيح فإن الماضي إذا كان خاليا من الأداة كقد مثلا دل على المضي المطلق ، وإذا اقترن بها دل على المضي القريب من الحال ، وهو في اختلاف حالتيه كالمضارع فإنه يختلف معناه بحسب خلوه عن الأداة واقترانه بها.
وأما دليله السماعي فليس بقاطع لجواز أن يكون المقيد بسوف متراخيا لطائفة من المؤمنين ، وبالسين غير متراخ كثيرا لطائفة أخرى ؛ إذ ليس ثم ما يدل على أن كلتيهما الطائفة واحدة بالتشخيص والتعيين (ومعنى قول المعربين فيها) اقتداء بسيبويه (حرف تنفيس) أي : هي حرف تنفيس أو السين حرف تنفيس ، هذه الجملة معمول القول وقوله : (حرف توسيع) خبر المبتدأ المتقدم الذي هو المضاف من قوله : معنى قول المعربين على حذف مبتدأ أي : هي حرف توسيع ، والمراد من هذه الجملة لفظها باعتبار معناه ، وهي عين المبتدأ في المعنى فلا تحتاج إلى رابط أي : قول المعربين هي حرف تنفيس معناه هي حرف توسيع ، والحاصل تفسير التنفيس بالتوسيع يقال : نفست الخناق إذا وسعته (وذلك أنها نقلت) من النقل وفي بعض النسخ : تقلب من القلب (المضارع من الزمن الضيق وهو الحال أي : الزمن الواسع وهو الاستقبال وأوضح من عبارتهم قول الزمخشري وغيره حرف استقبال) وقد أسلفنا أن أولئك المعربين اقتدوا في ذلك بسيبويه إمام النحاة (وزعم أنها قد تأتي للاستمرار لا للاستقبال ، ذكر ذلك في قوله تعالى : (سَتَجِدُونَ آخَرِينَ) [النساء : ٩١] الآية) يعني قوله تعالى : (سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّما رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيها) [النساء : ٩١] والمراد بهؤلاء الآخرين على ما في «الكشاف» وغيره قوم من أسد وغطفان ، كانوا إذا أتوا المدينة أسلموا وعاهدوا يأمنوا المسلمين فإذا رجعوا