الفريق الثاني لهو أبعد الطوائف عن هذا الاسم.
لكنّ الذي حصل قديماً وثبت إلى اليوم هو العكس من ذلك ، فأصحاب التفويض والتخيير هم الذين سُمُّوا « قدريّة » ! تماماً كما يسمّى الأبيض أسود ، والأسود أبيض !
إنّها تسمية للشيء بضدّه ، ولكن لا كما يقال للأعمى : بصير. وللّديغ : سليم ، فشتّان بين الأمرين !!
والسبب في ذلك أكثر وضوحاً ، فالقائلون بالقضاء والقدر هم فئة الخلافة ، وقد كان يبلغهم الحديث المروي : « القدرية مجوس هذه الاُمّة » (١) ! فمن يا ترى يستطيع أن يقول إنّ هؤلاء هم القَدرية الذين أخبر عنهم ذلك الحديث النبويّ ؟!
إنّ ذلك يعني أنّ الخلفاء الذين قامت هذه العقيدة لأجل نصرتهم وتبرير سياساتهم هم كبار مجوس هذه الامّة !! وهل يستطيع أحد أن يشير إلى هذا بأدنى أشارة ؟
ثمّ على أيّ الطوائف سيقع هذا الاسم إن لم يقع على الطائفة التي انبرت للردّ على تلك العقيدة وتفنيدها ؟ حتّى لو كانت هذه الطائفة هي أبعد الطوائف عن هذه التسمية ومصاديقها !!
وهكذا أصبح القدرية هم الذين ينفون القدر اللازم ويقولون بالتخيير ، ليصبحوا هم مجوس هذه الاُمّة !!
وبعد أن أطلقت الفئة الغالبة هذا الاسم على خصومها أدركت أنّها قد أوقعت
_____________
(١) سنن أبي داود : ح ٤٦٩١ ـ دار التراث العربي ـ بيروت.