إن ذلك كله مذكور بتوسع مسهب قلّما تجده في كتاب آخر يختصّ بالمناسك ، وهذه الثروة الفقهية تسجّل للفاكهي ، فقد زاد ما ذكره من مادة علمية في هذه المجالات على الكتب المصنّفة في هذا النوع على الخصوص.
وهذه مزية ظاهرة في كتاب الفاكهي بخلاف كتاب الأزرقي فإنه لم يطل النفس في ذلك.
٣ ـ تنوّع أسانيد الفاكهي ، وكثرتها كثرة ظاهرة واهتمامه بالصنعة الحديثية فاقت ما عند الأزرقي بكثير.
فكثير من كتاب الأزرقي تراه مرويّا من طريق جدّه ، بخلاف الفاكهي حيث كثر عدد شيوخه.
٤ ـ لا يحاول الفاكهي أن يرجّح بين الأقوال الفقهية ، بل يعرض أدلة هؤلاء وهؤلاء بمنتهى الأمانة ، وهذا الاختلاف في المسائل الفقهية المتعلقة بمكة والحرم والبيت والمناسك ، حاول الفاكهي أن يطيل فيها النفس ، فهو يذكر القول ، ويذكر ما يخالفه إنّ وجد ، لكنه لا يحاول أن يرجّح قولا على قول ، أو يختار مذهبا على مذهب ، فهو يعرض الأقوال ، ويترك حرية الاختيار للباحث ، لأنه ذكر الأدلة بأسانيدها. لكنه عند ما يعرض لبعض المباحث التاريخية ، أو مباحث تحديد المواضع تراه يدلي بدلوه ، ويرجح ما هو راجح ، داعما ما ذهب إليه بما لديه من أدلة فعندما ذكر جبل «الاقحوانة» في مكة ، قال : هو الجبل الذي به ثنية الخضراء ، وبأصله بيوت الهاشميين ، يمر سيل منى ، بينه وبين ثبير.
ويقال : الاقحوانة : ما بين : «بئر ميمون» الى «بئر ابن هشام».
ويقال : بل الاقحوانة : بأجياد الصغير في ظهر : «دار الدومة» وما ناحاها ثم قال الفاكهي : والقول الأول أصحّ ، ثم استشهد لما قاله ببيت من الشعر (١).
٥ ـ بذل الفاكهي جهدا عظيما في كتابه لنقل ما رآه وما شاهده في مكة والمسجد الحرام ، وبنائه ، وأساطينه ، وشرفاته ، وسقفه ، وصفة كل ذلك وتواريخ عمارة هذه الأشياء ، وهذا يتفق مع الأزرقي فيه ، لكن ما يعرض له الفاكهي يكون أوسع ممّا يذكره الأزرقي.
__________________
(١) أنظر ما بعد الأثر : ١٤٩١.