ومثل هذا لا تجده لا عند الأزرقي ولا غيره.
٦ ـ تفسيره للغريب الوارد في الروايات ، وتوضيحه لغير الواضح من الأشعار والحكايات ، وهذا شيء تجده منثورا في كتاب الفاكهي (١).
٧ ـ المنهج الموسوعي الذي ارتضاه الفاكهي لنفسه في كتابه ، جعله يتنوّع في مصادره ، ولم يقتصر على جانب واحد من جوانب معرفة ما يتعلق بمكة. فتراه ينقلك من جانب إلى جانب ، ومن علم إلى علم ، ومن جد إلى مزح ، ومن فرح إلى حزن ، وما إلى ذلك ، لأن من يختط لنفسه هذا المنهج قد تراه يجمع بين الأمر ونقيضه.
ففي الوقت الذي يفرد الفاكهي فصلا لعبّاد مكة وزهّادها ، تراه يفرد فصلا لمغنّي مكة ومطربيها. وفي الوقت الذي يتحدث فيه عن الرخاء الذي أصاب أهل مكة دهرا ، يفرد فصلا للكلام عن الغلاء والضيق الذي كان يعمّ أهل مكة حينا آخر.
وهكذا تجده يذكر من أحلّ هذا الأمر ، ومن حرّمه ، ومن أجازه ومن منعه بنفس واحد ، من أول ما وقفنا عليه من هذا الكتاب إلى آخره ، وهذا لا تجده في كتاب الأزرقي.
٨ ـ إن الجانب الأدبي ، وما أورده الفاكهي في كتابه من أشعار ، وأقوال وخطب ، شيء كثير ، ظاهر الكثرة ، فهو قد يختم بعض فصوله بما قيل في هذا الأمر من شعر ، فتراه عند ما يذكر الطواف ، لا ينسى أن يفرد فصلا في جواز انشاد الشعر في الطواف ، ثم روى لنا بعض ما قيل من شعر أثناء الطواف. وعند ما يذكر أيام منى ، ومضارب الحجّاج فيها ، ومنازلهم ، لا ينسى أن يسجّل ما قيل في ذلك من شعر.
حتى إذا ما حان وقت الرحيل عن منى ، وجعل الحجّاج يطوون خيامهم للرحيل ، يفرد الفاكهي فصلا طويلا لما قيل من شعر في مثل هذا الظرف الحزين.
وقد يطعّم الفاكهي كثيرا من الحوادث التاريخية. بما قيل فيها من شعر وكذلك عند وصفه لموضع من مواضع مكة يورد ما قيل من شعر وما إلى ذلك من دواعي إنشاء الشعر ، مع الذوق الأدبي الرفيع في اختيار المقطوعات الشعرية ، وشرح غريبها ، وأحيانا نسبتها إلى قائلها. وهذه الأمور لا تجدها بهذه السّعة عند الأزرقي.
__________________
(١) أنظر الآثار : ١١٥١ ، ١١٥٦.