كقوله : «ستة نصف اثني عشر» ، و «ثلاثة نصف ستة» ، فهذا لم ترد به إلّا العدد خاصة. وسبب ذلك أنّ العدد كله مؤنّث ، وأصل المؤنث أن يكون بالتاء فجاء هذا على أصله.
فإن أردت بالعدد المعدود ، فلا يخلو من أن تذكره أو لا تذكره. فإن ذكرته كان بالتاء مع المذكّر ، وحذفها مع المؤنث.
واختلف في سبب ذلك ، فمنهم من قال : العدد كلّه مؤنّث ، فما كان منه بالتاء التي للتأنيث ، فهو بمنزلة مؤنّث فيه علامة التأنيث ، وما كان منه بغير تاء فهو بمنزلة مؤنّث لا علامة فيه للتأنيث ، وهذا مذهب أبي القاسم.
ومنهم من قال : إنّ العدد من ثلاثة إلى عشرة في المعنى جمع ، وقد وجد في الجموع ما هو مذكّر ويجمع بتاء التأنيث ، وما هو مؤنّث ويجمع بغير تاء التأنيث ، نحو : «عقاب» و «أعقب» ، ويقولون في جمع «غراب» ، وهو مذكّر : «أغربة» ، ومن لغته تذكير اللسان يقول : «ثلاثة ألسن» ، ومن لغته تأنيثها يقول : «ثلاث ألسنة» ، فكذلك هذا.
ومنهم من قال : إنّما كان عدد المذكر بالتاء لأنّه لو كان بغير تاء ، لأوهم أنّه مذكّر لأنّه مضاف إلى مذكّر ولفظه المذكر ، والعدد هو المعدود في المعنى ، وهم قد جعلوا العدد مؤنّثا فأدخلوا فيه التاء ليرتفع الإبهام.
ومنهم من قال : إنّ العدد كلّه مؤنث ، فجعلت تاء التأنيث في المذكّر منه لأنّه أخف مع المؤنث ولم يجعلوها في المؤنث لئلا ينضاف ثقل العلامة إلى ثقل التأنيث. وجميع هذه التعليلات حسنة جدا.
فإن لم تذّكر المعدود في اللفظ ، فالفصيح أن يبقى الأمر على ما كان عليه لو ذكرت المعدود. ويجوز أن يحذف منه كله تاء التأنيث ، وحكى الكسائي عن أبي الجراح : «صمنا من الشّهر خمسا» ، ومعلوم أنّ الذي يصام إنّما هو الأيام ، والأيام مذكّرة.
وكذلك قوله [من الطويل] :
٤٧٤ ـ وإلّا فسيري حيثما سار راكب |
|
تيمّم خمسا ليس في سيره يتم |
__________________
٤٧٤ ـ التخريج : البيت لعمرو بن شأس في ديوانه ص ٧٢ ؛ ولسان العرب ١٢ / ٦٤٦ (يتم) ؛ وأمالي القالي ٢ / ١٨٩ ؛ وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ٢٨٠ ؛ وشرح ديوان الحماسة للتبريزي ١ / ١٥٠ ؛ وتاج العروس (يتم) ؛ وبلا نسبة في ديوان الأدب ٣ / ٢١٧ ؛ وجمهرة اللغة ص ٤١١.