وقوله : «عندي ثلاث من البطّ ذكور» ، من حمله على حكم العدد كما تقدم لأنّه من أسماء الجنس يجيز في عدده التذكير والتأنيث. فإذا قدّمت الذكور قلت : «ثلاثة» ، لأنّ الذكور جمع ذكر والمعتبر واحده. ولو قلت «ثلاث» ولم تلحظ الذكور ولحظت البطّ جاز ، لكن الأولى أن تلحظ المقدّم.
وثلاثة الألفاظ التي شذّت : «نفس» ، و «عين» ، و «دابّة» ، فكان ينبغي أن يقول : «عندي ثلاث أنفس» ، وإن أردت بالأنفس ذكورا لأنّ الواحد «نفس» ، وهو يخبر عنه إخبار المؤنث وإن كان واقعا على مذكّر. لكن كلام العرب : عندي «ثلاثة أنفس» إذا أردت ذكورا أو إناثا ، حملا على المعنى ، ومنه قوله [من الوافر] :
ثلاثة أنفس وثلاث ذود |
|
لقد جار الزمان على عيالي (١) |
فإن قيل : ولعل هذا على لغة من ذكّر «النفس» وذلك قليل ، قال الله تعالى : (أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ)(٢) فأخبر عنها إخبار المؤنث ثم قال بعد ذلك : (بَلى قَدْ جاءَتْكَ آياتِي فَكَذَّبْتَ بِها)(٣). فخاطبها خطاب المذكّر. فالجواب : إنّ تذكير «النفس» في الآية من الحمل على المعنى ، وذلك قليل لا لغة. فالذي يقول : «ثلاثة أنفس» ، إنّما يقوله على معنى «شخص» ، والشخص مذكّر.
واللفظة الثانية العين التي يراد بها الربيئة (٤) مؤنّثة ، تقول : «جاءت عين القوم» وتقول في العدد : عندي ثلاثة أعين ، فيكون حكم عدده حكم المذكر حملا على المعنى لأنّ الربيئة وإن كانت مؤنّثة فإنّها واقعة على «رجل» وهو مذكّر.
واللفظة الثالثة دابّة فإنّها مؤنثة تقول : هذه دابّة ، وقعت على مذكّر أو مؤنّث ، إلّا أنّك تقول في العدد : ثلاثة دوابّ ، فتلحق التاء على معنى أشخاص ، ويقوي ذلك أنّ دابة صفة فكأنّ الأصل : ثلاثة أشخاص دواب ، فحذف الموصوف وهو أشخاص وأقيمت صفته مقامه وبقي لفظ العدد على ما كان عليه قبل حذف الموصوف.
__________________
(١) تقدم بالرقم ٤٨٤.
(٢) سورة الزمر : ٥٦.
(٣) سورة الزمر : ٥٩.
(٤) الربيئة : طليعة الجيش الكشّافة التي ترقب العدو.