باب «مذ» و «منذ»
مذ ومنذ يكونان اسمين إذا ارتفع ما بعدهما ، ويكونان حرفين إذا انجرّ ما بعدهما ، فإن قيل : وما الدليل على أنّهما يكونان اسمين إذا ارتفع ما بعدهما وعلى أنّهما حرفان إذا انجرّ ما بعدهما؟
فالجواب : إنّ «مذ» مع الاسم الذي يرتفع بعدها تكون منتهى كلام ، تقول لمن قال لك : «كم لك لم تر زيدا»؟ : «منذ يومان». فمحال أن يكون حرفا واسما ، لأنّ الحرف والاسم لا يأتلف منهما كلام ، خلافا للفارسي حيث ذهب إلى أنّ الحرف والاسم يأتلف منهما كلام في النداء ، ألا ترى أنّ المنادى منصوب بإضمار فعل.
فإنّما : «يا عبد الله» ، عندنا مؤلف من الاسم ، والفعل ، والحرف.
فإذا لم يمكن أن يكون «منذ يومان» حرفا واسما تعيّن أنّ «منذ» اسم.
فإن قيل : لعلّهما حرف ، والفعل مضمر بعدها ، كأنّه قال : «مذ تقدّم أو مذ مضى يومان». فالجواب : إنّها لو كان الاسم بعدها على إضمار الفعل ، لكانت من الحروف الطالبة للفعل كـ «قد» والسين وسوف ، وكلّ ما كان طالبا من الحروف للفعل لم يجز أن يليه الاسم إلّا في ضرورة شعر. وهذا فصيح فدلّ على أنّ ليس بعدها فعل مضمر. وأيضا فإنّ الفعل لا يضمر إلّا أن يكون أمرا ، أو نهيا ، أو ما جرى مجراهما.
فلا يضمر في الخبر إلّا أن يكون ثمّ ما يدل عليه.
ولا يمكن أن تكون «منذ» فعلا. والدليل على أنّهما ـ إذا انجرّ ما بعدهما ـ حرفان ما