المفعول الثاني لـ «ظننت». فإن كان ما بعده منصوبا ، فلا يجوز إلّا الفصل خاصة. وهنا تتبيّن الفصلية. ولا يجوز الرفع على الابتداء لأنّه ليس له خبر ، ولا يجوز البدل ، لأنّ البدل على حسب إعراب الأول ، ولا يجوز التأكيد لكون الظاهر لا يؤكّد بالمضمر ، لأنه يخرج عن قياس التأكيد ، فلا بدّ من الفصلية.
وينبغي أن يكون الضمير في الفصل على حسب الأول من غيبة أو خطاب أو تكلم ، فإنّ فيه ضربا من التأكيد كما تقدم ، ولذلك استغنى به عنه ، فأمّا قوله [من الوافر] :
٤٩٣ ـ وكائن بالأباطح من صديق |
|
يراني لو أصبت هو المصابا |
ففصل بين المفعول الأول من «يراني» وهو ضمير المتكلم ، وبين المفعول الثاني وهو المصاب بـ «هو» و «هو» ضمير غائب ، وليس من جنس ضمير المتكلم ، فيتخرّج على حذف مضاف ، كأنّه في الأصل : يرى مصابي هو المصاب ، ثم حذف المضاف ، وهو «مصاب» الأول ، وأقام المضاف إليه مقامه ، وهو ضمير المتكلم ، فقال : «يراني» ، ثم حكم الضمير المتكلّم بحكم ما قام ، فعامله معاملة الغائب ، كما قال الله تبارك وتعالى : (وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ
__________________
٤٩٣ ـ التخريج : البيت لجرير في خزانة الأدب ٥ / ٣٩٧ ، ٤٠١ ؛ والدرر ١ / ٢٢٤ ؛ وشرح شواهد الإيضاح ص ٢٠٠ ؛ وشرح شواهد المغني ص ٨٧٥ ؛ ولم أجده في ديوانه ، وهو بلا نسبة في أمالي ابن الحاجب ص ٦٦٢ ؛ وخزانة الأدب ٤ / ٥٣ ، ٥ / ١٣٩ ؛ ورصف المباني ص ١٣٠ ؛ وشرح الأشموني ٣ / ٦٣٩ ؛ وشرح المفصل ٣ / ١١٠ ، ٤ / ١٣٥ ؛ وهمع الهوامع ١ / ٦٨ ، ٢٥٦ ، ٢ / ٧٦.
اللغة : الأباطح : ج أبطح ، هو السيل كثير الرمل والحصى مائله.
المعنى : أي رجل على هذه الأرض يرى في مصابي مصابا له ، فالذين يعرفوني كثر.
الإعراب : وكائن : «الواو» : بحسب ما قبلها ، «كائن» : اسم تكثير بمعنى «كم» مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. بالأباطح : جار ومجرور متعلقان بحال محذوفة. من صديق : «من» : حرف جر زائد ، «صديق» : اسم مجرور لفظا منصوب محلا على أنه تمييز لـ «كائن». يراني : فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الألف للتعذر ، و «النون» : للوقاية ، و «الياء» : ضمير متصل في محل نصب مفعول به ، و «الفاعل» : ضمير مستتر جوازا تقديره هو. لو : حرف امتناع لامتناع. أصبت : فعل ماض مبني للمجهول مبني على السكون ، و «التاء» : ضمير متصل في محل رفع نائب فاعل. هو : ضمير منفصل لا محل له من الإعراب. المصابا : مفعول به ثان منصوب بالفتحة ، و «الألف» : للإطلاق.
وجملة «وكائن بالأباطح .. يراني» : بحسب الواو. وجملة «يراني» : في محل رفع خبر. وجملة «لو أصبت» : اعتراضية لا محل لها. وجملة «أصبت» : فعل شرط لا محل لها.
والشاهد فيه قوله : «أصبت هو المصابا» حيث وقع الضمير (هو) للفصل بين ضمير الغائب ، وضمير المتكلم.