بالعلمية ، و «غيرك» وأخواته استعملت في أول أحوالها مضافات ، وكانت لذلك نكرات ، والدليل على أنّها استعملت في أول أحوالها مضافات أنّه لا يجوز «مثل لك» ، ولا «غير لك» ، ولا «شبه» ، وكذلك سائرها.
فأمّا «شبيهك» فمعرفة وحده لأنّه لم يستعمل في أول أحواله مضافا. والدليل على ذلك أنّهم يقولون : «شبيه بك» ، وهذا حسن جدا.
وزعم المبرّد أنّ الذي منع من تعريفها بالإضافة إلى المعرفة أنّها بمعنى اسم الفاعل بمعنى الحال والاستقبال ، ألا ترى أنّ «غيرك» بمعنى : «مغايرك» و «مثلك» بمعنى : «مماثلك» ، و «شبهك» بمعنى : «مشابهك» ، فكما أنّ اسم الفاعل بمعنى الحال والاستقبال لا يتعرّف بالإضافة ، فكذلك ما في معناه. وأما «شبيهك» فيتعرّف عنده بالإضافة ، لأنّ «فعيلك» للمبالغة فدخله لذلك معنى الذي عرف بـ «شبيهك» ، لأنّه إذا كثر شبه شخص بآخر صار معروفا بذلك ، فلما دخله معنى المضيّ تعرّف بالإضافة ، لأنّ اسم الفاعل إذا كان بمعنى المضيّ يتعرّف بالإضافة. وهذا التعليل حسن جدا.
وزعم أبو بكر بن السراج أنّ هذه الأسماء لا تكون نكرة أبدا ، بل تكون حسب المعنى ، فإن كان المغاير أو المماثل أكثر من شخص واحد ، كانت نكرة ، نحو : «مررت برجل مثلك وغيرك وشبهك». ألا ترى أنّ «غيرك» و «شبهك» و «مثلك» لا ينحصر كثيره.
وإن كان المغاير أو المماثل أو المشابه واحدا ، كانت معرفة ، نحو : «الساكن غير المتحرّك» ، ألا ترى أنّ «غير المتحرك» شيء واحد ، وهو الساكن. ومن ذلك قوله تبارك وتعالى : (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ)(١). فـ «غير المغضوب» عنده معرفة ، لأنّه نعت للذين ، وهو معرفة ، وصار معرفة عنده لأنّ (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) صنف واحد وهم الذين أنعم الله عليهم. وهذا الذي استدلّ به لا حجة فيه ، لأنّه يحتمل أن يكون (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) نكرة بدلا من «الذين». وهذا أيضا فاسد من طريق القياس ، لأنّه لا يلزم من كون المماثل والمغاير أكثر من واحد أن يكون «غيرك» ، و «مثلك» نكرة ، بل كان ينبغي أن لا يقع إلا مغايرا أو مماثلا لواحد معهود من بينهم ، فإن أردت مماثلا أو مغايرا أو مشابها غير معهود قلت : «غير لك» ، أو «مثل لك ، أو «شبه لك» ، ألا ترى أنّك إذا قلت :
__________________
(١) سورة الفاتحة : ٧.