وهذا مذهب فاسد ، لأنّ الذي ادعوه من الإضمار لم يلفظ به في موضع من المواضع ، وأيضا فإنّ ما أنكروه من تقديم المفعول قد سمع ، ومنه قوله [من الطويل] :
٣٩٩ ـ بكيت أخا لأواء يحمد يومه |
|
كريم رؤوس الدّارعين ضروب |
فقدّم «رؤوس الدارعين» على «ضروب» تقديره : ضروب رؤوس الدارعين. فدلّ ذلك على أنّه منتصب بنفس المثال.
والقسم الذي فيه خلاف بين أهل البصرة وأهل الكوفة «فعل» ، و «فعيل». فمذهب سيبويه إعمالها ، ومذهب المبرّد أنّه لا يجوز ذلك.
استدلّ المبرّد على منع إعمالها بأنّ «فعيلا» اسم فاعل من «فعل» ، و «فعل» لا يتعدّى ، فكذلك ما اشتقّ منه. وكذلك «فعل» اسم فاعل من فعل الذي لا يتعدّى فهو إذن كفعله لا يتعدّى.
وهذا الذي ذهب إليه من الاحتجاج فاسد. إذ الكلام لم يقع إلّا في «فعل» و «فعيل» الواقعين موقع «مفعل». فإن قال : فما الدليل على أنّ العرب قد أوقعتهما موقع «مفعل»؟ بل القياس يقتضي أن يكون كلّ بناء على حكمه ولا يوقع موقع غيره. فالجواب : إنّ سيبويه لم
__________________
٣٩٩ ـ التخريج : البيت لأبي طالب في شرح المفصل ٦ / ٧١ ؛ وبلا نسبة في شرح أبيات سيبويه ١ / ٤١٢ ؛ وشرح عمدة الحافظ ص ٦٧٩ ؛ والكتاب ١ / ١١١.
اللغة : اللأواء : الشدة. الدارعين : لا بسي الدروع.
المعنى : الشاعر يرثي رجلا عظيما يدخر ليوم الشدة ، فهو كريم ، محمودة أفعاله ، قوي ، ماهر باستعمال السيف والسلاح ، تهابه الأعداء.
الإعراب : بكيت : فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بتاء الفاعل و «التاء» : ضمير متصل في محل رفع فاعل. أخا : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الألف لأنه من الأسماء الستة. لأواء : مضاف إليه مجرور بالفتحة عوضا عن الكسرة ، لأنه ممنوع من الصرف. يحمد : فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع بالضمة. يومه : نائب فاعل مرفوع و «الهاء» : ضمير متصل في محل جرّ بالإضافة. كريم : خبر لمبتدأ محذوف تقديره (هو). رؤوس : مفعول به منصوب مقدم لصيغة المبالغة (ضروب). الدارعين : مضاف إليه مجرور وعلامة جره الياء لأنه جمع مذكر سالم و «النون» : عوض عن التنوين في الاسم المفرد. ضروب : خبر ثان مرفوع.
وجملة «بكيت أخا» : ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «يحمد يومه» : في محلّ نصب صفة. وجملة «هو كريم ضروب» : في محل نصب صفة.
والشاهد فيه قوله : «رؤوس الدارعين ضروب» حيث قدم مفعول صيغة المبالغة عليها نفسها.