ومع أنّ الضمير للمخاطب فلا يجوز نداء المخاطب إلّا في ضرورة شعر ، لأنّ المنادى إنّما تناديه إذا كان معرضا عنك ، وإذا أتيت بالمضمر لم يعلم هل المقصود هو أو غيره فيكون سببا للبس ، وإذا أتيت بظاهر علم أنّه المراد دون غيره. ولم يبن المطوّل ولا المضاف ، لأنّهما قد نقص شبههما عن المضمر لأنّ المضمر مفرد ، والمضاف والمطوّل ليسا كذلك ، ولم تبن النكرة لأنّها قد نقص شبهها عن المضمر من جهة أنّها نكرة ، والمضمر إنّما هو معرفة ، فلما كان أشبه المناديات بضمير المخاطب العلم والنكرة المقبل عليها بنيا ، وكان بناؤهما على حركة ، لأنّ لهما أصلا في التمكن.
وكانت الحركة ضمّة لشبهها بـ «قبل» و «بعد» ، ووجه الشبه بينهما أنّ «قبل» و «بعد» يبنيان في حال الإفراد ، ويعربان في حال الإضافة ، وكذلك المنادى يبنى في حال الإفراد ، ويعرب في حال الإضافة ، فلذلك بني على ما بني عليه «قبل» و «بعد» وهو الضم.
ومنهم من قال : إنّه لما اختلط بالصوت ، وصار معه كالشيء الواحد ، وصار مع النداء لتحريك المنادى ، فأشبه «جوت» (١) ، و «عدس» (٢) وما أشبههما من الأصوات التي يقصد بها تحريك شيء معيّن من البهائم ، والأصوات مبنية فبنيت هي لأنّها صارت كأنّها بعض الصوت.
ولم تبن النكرة غير المقبل عليها لأنّها لم تختلط بالصوت ، لأنّك لم تقبل عليها بالنداء ، ولم يبن المضاف لأنه قد تمكن في الإضافة ، ولا المطوّل لشبهه بالمضاف ، وأيضا فإنّه يضعف جعلهما مع حرف النداء كالشيء الواحد. وكلاهما وجه وحسن جدا.
[٣ ـ حذف حرف النداء] :
ويجوز حذف حرف النداء من المنادى المفرد العلم لدلالة الإقبال عليه ، نحو قوله تعالى : (يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا)(٣)
ولا يجوز حذفه من النكرة غير المقبل عليها ، لأنّه ليس في الكلام إقبال يقوم مقامه ،
__________________
(١) جوت : اسم صوت لدعاء الإبل إلى الماء.
(٢) عدس : اسم صوت لزجر البغل.
(٣) سورة يوسف : ٢٩.