فقالوا : لو كانت ناصبة بنفسها لم يجز إظهار «أن» بعدها.
وهذا لا حجة فيه ، لأنّ هذه الرواية لم تثبت ، والرواية الصحيحة :
... |
|
لسانك هذا أن تغرّ وتخدعا |
إن ثبتت تلك الرواية فتكون «أن» زائدة للتوكيد بمنزلتها في : «لمّا أن قام زيد». وكذلك زعموا أنّ «لكي» تنصب بإضمار «أن» ، وهذا باطل ، لأنّه يلزم من ذلك دخول حرف الجر على مثله ، وذلك لا يجوز إلّا ضرورة.
وزعم أهل الكوفة أنّ «أن» تضمر في غير ما ذكرنا ، وحكوا : «مره يحفرها» ، و «لا بدّ من تتبعها» ، يريد : مره أن يحفرها ، ولا بدّ من أن تتبعها.
وهذا غير جائز ، وما حكوه من الشذوذ بحيث لا يقاس عليه ، وإنّما هو على إضمار «إن» من غير عوض كقوله [من الطويل] :
ألا أيّهذا الزاجري أحضر الوغى |
|
[وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي](١) |
يريد : أن أحضر ، فأضمر «أن» وأبقى عملها.
وأمّا الجواب بالفاء ففيه خلاف ، فمذهب سيبويه رحمهالله أنّ النصب بإضمار «أن» ، ومذهب أهل الكوفة أنّ النصب بعدها بالخلاف ، ومذهب الجرميّ أنّ النصب بنفس الفاء (٢) ، واستدل بأنّه وجد الفعل بعدها منصوبا ولم يقم دليل على أنّ النصب بإضمار «أن» ، فجعل النصب بها.
وهذا فاسد ، لأنّ الفاء قد ثبت لها العطف في غير هذا الموضع ، فينبغي أن تحمل على ما ثبت لها من العطفية ، وإذا كانت حرف عطف ، فالنصب بعدها لا يجوز إلّا بإضمار «أن» ، لأنّ حروف العطف لا تنصب.
__________________
نصب مفعول به. وجملة (أن تغرّ) في محلّ جر بحرف الجرّ «كي». وجملة «تخدعا» معطوفة على جملة «تغر».
والشاهد فيه ظهور «أن» المصدريّة بعد «كي» ، وذلك دليل على أمرين : الأوّل أن «كي» دالّة على التعليل ، وليست حرفا مصدريّا ، والثاني أنّ «كي» التعليليّة تقدّر بعدها «أن» إذا لم تكن موجودة.
(١) تقدم بالرقم ٣٠.
(٢) انظر المسألة السادسة والسبعين في الإنصاف في مسائل الخلاف ص ٥٥٧ ـ ٥٥٩.