باب الجواب بالفاء
قد تقدّم الخلاف في الفعل الذي بعدها بم انتصب. هل بها نفسها وهو مذهب الجرمي ، أو بالخلاف وهو مذهب أهل الكوفة ، أو بإضمار «أن» وهو مذهبنا ، وهو الصحيح على ما استقر.
وإنما تنصب في الأجوبة الثابتة ، وعلّة ذلك أنّها لا يكون ما بعدها مخالفا لما قبلها إلّا في الأجوبة. وأمّا الإيجاب نفسه فلا يتصور فيه الخلاف ، فلهذا يكون ما بعدها أبدا محمولا على ما قبلها ، نحو أن تقول : «يقوم زيد فيقعد» ، ألا ترى أنك لو نصبت لكان المعنى مع الرفع واحدا : لأنك إذا قلت : «يكون قيام فقعود» ، كان معناه معنى : يقوم فيقعد ، فلما استوى المعنيان وكان في أحدهما الحمل والعطف على التوهم لم يجز.
ألا ترى أنّهم يحملون على الأول لمشاكلتهما في اللفظ مع فساد المعنى ، فالأحرى أن يحملوا عليه مع أنّه يكون في تركه الفساد من الطريقين وهما العطف على التوهم وترك اللفظ.
فأمّا إذا لم يكن اللفظ واجبا ، فإنّك إذا حملت على الأول كان للكلام معنى ، وإذا لم تحمل وعدلت ، كان للكلام معنى آخر ، فلهذا تصور النصب حتى يكون لذلك المعنى لفظ يعبر به عنه ، فلا يكون النصب إلّا بالخلاف ، أي : حيث يكون الخلاف. فنزعم نحن أنّ النصب حيث يكون ، وهم يزعمون أنّه يكون بنفس الخلاف. فلنأخذ الأجوبة واحدا واحدا.
وأمّا النهي فلا يكون إلّا بالفعل فتقول : «لا تضرب زيدا فتهينه» ، فما بعد الفاء يتصوّر