باب «وحده»
اختلف النحويون في «وحده» ، فمنهم من زعم أنّه انتصب انتصاب الظرف وهو يونس. ويقول : إنّك إذا قلت : «جاء زيد وحده» ، فالمعنى : جاء زيد على انفراده ، فكأنّ أصله : جاء زيد على وحده ، ثم حذف حرف الجر.
ومنهم من قال : إنّه مصدر وضع موضع الحال ، والذي يقول هذا على قسمين : منهم من يقول انّه مصدر لم يلفظ له بفعل مثل الأبوة.
فالذي قال إنّه مصدر على حذف الزيادة (١) قال : وجدنا مصدر «أفعل» يأتي على وزن مصدر «فعل» ، ومصدر «تفعّل» يأتي على وزن مصدر «فعّل» ، فمثال الأول : (وَاللهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً)(٢). ومثال الثاني : (وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً)(٣).
وهذه المذاهب الثلاثة فاسدة.
أما يونس فيدل على فساد مذهبه أنّ ما ليس بزمان ولا مكان لا ينبغي أن يجعل ظرفا بقياس.
فإن قيل : قد حكى ابن الأعرابي : «جلس على وحده» ، و «جلسا على وحديهما» ، و «جلسوا على وحديهم» ، فالجواب : إن هذا لا يقطع بمذهب سيبويه على ما يبيّن ، لأنّ هذا يجعل من التصرف القليل الذي جاء مثله في «جحيش وحده» (٤) و «نسيج وحده» (٥). فهذا
__________________
(١) في العبارة سقط.
(٢) سورة نوح : ١٧.
(٣) سورة المزمل : ٨.
(٤) عبارة تقال في ذمّ الرجل المعجب برأيه.
(٥) عبارة تقال في مدح الرجل ، وأصلها أن الثوب إذا كان رفيعا لا ينسج على منواله غيره.