ووجه الدليل من هذا البيت أنّ الاستثناء إخراج الثاني من الأول ، وهذا الشاعر قد أخرج تسعين من مائة ، فكما ساغ له ذلك في غير الاستثناء ، فكذلك يجوز في الاستثناء.
وهذا الدليل فاسد ، لأنّه إنّما لم يجز إخراج الأكثر وترك الأقل عند من ذهب إلى ذلك ، لأنّه يؤدّي إلى وضع اسم الكل على الأقل. ألا ترى أنّك إذا قلت : «قام القوم إلّا أربعة أخماسهم» ، كنت قد أوقعت القوم على خمسهم وذلك غير جائز ، وإذا قلت : «قام القوم إلّا خمسهم» كنت قد أوقعت القوم على أكثرهم وذلك جائز. ألا ترى أنّ العرب تقول : «قام القوم» ، إذا قاموا بأجمعهم أو قام أكثرهم ، فلا يلزم في البيت شيء من ذلك ، فاستدلالهم به فاسد.
واستدلّوا أيضا بقوله تعالى : (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ)(١). فاستثنى «الغاوين» من «العباد» ، وهم أكثر من المؤمنين ، بدليل قوله تعالى : (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَقَلِيلٌ ما هُمْ)(٢). وهذا أيضا لا حجّة لهم فيه ، لأنّ «العباد» حيث أضافهم الله تعالى إلى نفسه ، فإنّهم يراد بهم المؤمنون ، والإضافة إضافة تقريب ، فكأنّه قال : إنّ المؤمنين ليس لك عليهم سلطان.
وقوله : «إلّا من اتّبعك من الغاوين» ، استثناء منقطع ، وليس مخرجا من الأول ، كأنّه
__________________
الإعراب : أدوا : فعل أمر مبني على حذف النون لاتصاله بواو الجماعة ، و «الواو» : ضمير متصل في محلّ رفع فاعل ، و «الألف» : للتفريق. التي : اسم موصول في محلّ نصب مفعول به. نقصت : فعل ماض مبني على الفتح ، و «التاء» : للتأنيث ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هي). تسعون : خبر لمبتدأ محذوف ، بتقدير (والنقص تسعون من مائة). من مائة : جار ومجرور متعلقان بصفة من «تسعون». ثم : حرف عطف. ابعثوا : فعل أمر مبني على حذف النون لاتصاله بواو الجماعة ، و «الواو» : ضمير متصل في محلّ رفع فاعل ، و «الألف» : للتفريق. حكما : مفعول به منصوب بالفتحة. بالحق : جار ومجرور متعلقان بـ (قوالا). قوالا : صفة (حكما) منصوبة بالفتحة.
وجملة «أدوا» : ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «نقصت» : صلة الموصول لا محلّ لها. وجملة «النقص تسعون من مئة» : اعتراضية ، أو تفسيرية لا محلّ لها. وجملة «ابعثوا» : معطوفة على جملة «أدوا» لا محلّ لها.
والشاهد فيه قوله : «تسعون من مائة» حيث أخرج الأكثر (تسعون) وترك الأقل (العشرة) ، وهذا مما لا يعتدّ به.
(١) سورة الحجر : ٤٢.
(٢) سورة ص : ٢٤.