ومنهم من ذهب إلى أنّه منصوب بالفعل بواسطة «إلّا» ، وانتصب «غير» وما في معناه بالفعل من غير واسطة ، وهو مذهب أبي سعيد وابن الباذش. وشبهه ابن الباذش في ذلك بالظروف ، فكما أنّ الفعل يصل إلى الظرف بحرف الجر ، فكذلك ما بعد «إلّا» بمنزلته ، فلا يصل الفعل إليه إلّا بواسطتها ، «وغير» لأنّها مشبهة بالظرف المبهم ، فكما أنّ الفعل يصل إلى الظرف المبهم بنفسه ، فكذلك «غير» وما في معناها.
وهذا المذهب أيضا خطأ ، لأنّه قد تنصب هذه الأسماء وإن لم يتقدمها فعل ، نحو قولك : «القوم إخوتك إلّا زيدا».
ومنهم من ذهب إلى أنّه منتصب لمخالفته للأول ، ألا ترى أنّك إذا قلت : «قام القوم إلّا زيدا» ، أنّ ما بعد «إلّا» منفيّ عنه القيام ، وما قبلها موجب له القيام ، وهو مذهب الكسائيّ.
وهذا باطل ، لأنّ الخلاف لو كان يوجب النصب ، لأوجبه في قولك : «قام زيد لا عمرو» ، لأنّ ما بعد «لا» مخالف لما قبلها ، ولوجب النصب في مثل : «ما قام زيد لكن عمرو» ، لأنّ ما بعد «لكن» مخالف لما قبلها ، وأمثال ذلك كثيرة.
ومنهم من ذهب إلى أنّ «إلّا» مركبة من «إنّ» و «لا» ، ثم خففت نون «إنّ» ، وأدغمت في «لا» ، وجعلت كالكلمة الوحدة ، وإذا نصبت ما بعدها ، غلّبت حكم «إنّ» والخبر محذوف ، وإذا رفعت ، غلّبت حكم «لا» ، فعطفت ، وهو مذهب الفراء. وهذا القول بيّن الفساد بأدنى تأمل ، إذ لو كان الأمر كذلك ، لوجب أن لا يجوز مثل : «ما قام إلّا زيد» ، لأنّ هذا الموضع لا تصلح فيه «لا» ولا «إنّ». وأيضا فإنّ الخبر الذي ادعى حذفه لم يظهر في موضع ، وبالجملة فهذا المذهب دعوى لا دليل عليها.
ومنهم أيضا من ذهب إلى أنّه انتصب عن تمام الكلام ، وهو الصحيح ، وهو في ذلك بمنزلة التمييز.
[٥ ـ الاستثناء بـ «إلّا» في الكلام الموجب والكلام المنفي] :
ولا يخلو الكلام الواقع قبل «إلّا» من أن يكون موجبا أو منفيّا. فإن كان موجبا ، فلا