ومنهم من ذهب إلى أنّ الأول مستثنى من العدد الأول ، والآخر ليس كذلك. فعلى المذهب الأول : إذا قلت : «لفلان عندي عشرة إلّا واحدا إلّا ثلاثا» ، فقد أقررت بستة ، لأنّك طرحت الواحد والثلاثة من العشرة ، وعلى الثاني ، وهو قول الفراء : تكون قد أقررت باثني عشر ، فكأنك قلت : لفلان عندي عشرة إلّا واحدا ليسوا الثلاثة التي تقررت له عندي ، فيكون له عندي تسعة وثلاثة.
والصحيح الأول ، لأنّه مهما أمكن أن يكون المستثنى متّصلا لم يحمل على الانفصال ، وما ذهب إليه الفراء لا يتصور إلّا على الانفصال.
وإن أمكن ففي ذلك خلاف ، فمنهم من ذهب إلى أنّ بعضهم مستثنى من بعض ، ومنهم من ذهب إلى أنّها مستثنيات من الأول ، ومنهم من ذهب إلى أنّها يجوز فيها الأمران وهو الصحيح ، إلّا أنّ الأظهر فيه أن يكون الاستثناء من المستثنى ، لأنه يجيء عليه صرف الاستثناء إلى الأقرب.
والدليل على جواز الاستثناء من المستثنى قوله تعالى : (إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا امْرَأَتَهُ)(١) ، فاستثنى «آل لوط» من المجرمين ، واستثنى المرأة من آل لوط.
فإذا قلت : «قام القوم إلّا عشرة إلّا سبعة إلّا أربعة إلّا اثنين» ، فالاثنان مستثنيان من الأربعة ، والأربعة مستثناه من السبعة ، والسبعة مستثناة من العشرة. فإذا أردت معرفة قدر المستثنى ، فاطرح المستثنى الآخر من الذي قبله ، وما بقي فاطرحه من الذي قبله إلى أن تصل إلى الاستثناء الأول ، فما بقي فهو المستثنى. مثاله «قام القوم إلّا أربعة إلّا ثلاثة إلّا واحدا» (٢) ، المستثنى من هذه المسألة اثنان ، وذلك أنك إذا طرحت واحدا من الثلاثة فالباقي اثنان ، وإذا أزلتها من الأربعة فالباقي اثنان ، فالمستثنى إذن اثنان.
وإن شئت اعتبرت ذلك بأن تسقط الاستثناء الأول من المستثنى منه ، ثم تضيف ما بقي إلى ما بعد المسقط ، ثم تخرج من الجميع ما بعد ، ثم تضيف ما بقي إلى ما بعد المسقط إلى أن تنتهي إلى الآخر ، فإذا انتهيت إليه علمت أنّ ما بقي هو المقرّ به وما عدا ذلك مستثنى.
__________________
(١) سورة الحجر : ٥٩ ـ ٦٠.