وللتعجب ثلاثة ألفاظ : ما أفعله ، وأفعل به ، ولفعل. ويجري «أفعل من» مجرى التعجب وإن لم يكن تعجّبا في أنّه لا يبنى إلا مما بني منه فعل التعجب.
فأما «ما أفعله» فلا يخلو أن تريد التعجب من مزيد أو غير مزيد. فأما المزيد فلا يخلو أن يكون على وزن «أفعل» أو على غير ذلك من الأوزان. فإن كان على غير ذلك من الأوزان ، فلا يجوز التعجب منه ، لأنه لا يجوز التعجب من فعل حتى يصير على وزن «فعل» ، فإذا فعل به ذلك أدى إلى حذف زوائد الفعل ، وقد كانت هذه الزوائد تعطي معانيها ، فتفقد بزوالها إلّا ما شذّ من ذلك ، وهو قول العرب : «ما أفقره» ، من «افتقر» ، و «ما أغناه» ، من «استغنى» ، وما «أتقاه» من «اتّقى» ، و «ما أقومه» ، من «استقام».
وكأن التعجب إنّما هو من «فقر» ، و «غني» ، و «تقي» ، و «قام» في معنى «استقام» وإن لم ينطق بشيء من ذلك. وممّا يدلّ على ذلك : فقير ، وغني ، وتقيّ ، ألا ترى أنّ «فعيلا» لا يبنى إلّا من فعل ثلاثي ، نحو : «كريم» و «ظريف» من «كرم» و «ظرف» ، ومما يسهّل ذلك في «اتقى» أنّهم قد حذفوه حتى صار «تقي» ، ومنه قول الشاعر [من الوافر] :
٤١٦ ـ تقوه أيّها الفتيان إنّي |
|
رأيت الله قد غلب الجدودا |
__________________
٤١٦ ـ التخريج : البيت لخداش بن زهير في سرّ صناعة الإعراب ١ / ١٩٨ ؛ والمقاصد النحوية ٢ / ٣٧١ ؛ ونوادر أبي زيد ص ٢٧ ؛ وبلا نسبة في الممتع في التصريف ١ / ٢٢٣ ؛ والمنصف ١ / ٢٩٠ ؛ ونوادر أبي زيد ص ٤.
اللغة : تقوه : اتقوه ، من الوقاية. الجدود : الحظوظ.
المعنى : اتقوا الله أيّها الناس وأيّها الشباب ، فأنا متأكد أن لكل شيء جزاء عند الله ، وليس كل شيء ينال بالحظ.
الإعراب : تقوه : فعل أمر مبني على حذف النون ، لأن مضارعه من الأفعال الخمسة ، و «الواو» : ضمير متصل في محلّ رفع فاعل ، و «هاء» : ضمير متصل في محلّ نصب مفعول به. أيها : «أي» : منادى مبني على الضم في محل نصب على النداء لأنه نكرة مقصودة ، و «ها» : للتنبيه ، وحرف النداء محذوف. الفتيان : بدل من (أي) مرفوع على اللفظ. إني : حرف مشبه بالفعل ، و «الياء» : ضمير متصل في محل نصب اسم (إن). رأيت : فعل ماض مبني على السكون و «التاء» : ضمير متصل في محل رفع فاعل. الله : لفظ الجلالة مفعول به أول منصوب بالفتحة. قد غلب : «قد» : حرف تحقيق ، «غلب» : فعل ماض مبني على الفتح ، و «الفاعل» : ضمير مستتر جوازا تقديره (هو). الجدودا : مفعول به منصوب بالفتحة ، و «الألف» : للإطلاق.
وجملة «تقوه» : ابتدائية لا محل لها. وجملة «غلب الجدودا» : في محلّ نصب مفعول به ثان لرأيت. وجملة «رأيت الله قد غلب» : في محل رفع خبر إن. وجملة «إني رأيت» : استئنافية لا محل لها.