أن كان غير متعدّ ، فدلّ ذلك على أنّه منقول إلى «فعل» حتى يصير غير متعدّ.
والآخر : أنّهم إذا أرادوا التعجب من الثلاثيّ قالوا : «لفعل» ، نحو : «لشرف زيدا» ، و «لضربت يدك» ، فينقلون «فعل» و «فعل» إلى «فعل» ، ومن كلامهم : «ضربت إليك يدك» ، أي : ما أضربها!
فإن قيل : فلأيّ شيء بني على «فعل»؟ فالجواب : إنّ التعجب موضع مبالغة و «فعل» من أفعال الغرائز والطبائع ، ومن المبالغة في الفعل أن يجعل كأنّه طبع في التعجب منه. إلّا ألفاظا استغنت العرب عن التعجب منها بـ «أشدّ» وما في معناها ، وهي : «قام» ، و «قعد» ، و «نام» ، و «سكر» ، و «غضب» ، و «جلس» ، و «قال» ، من القائلة ، فلم يقولوا : «ما أقومه» ، لئلا يلتبس بـ «ما أقومه» من «استقام» ، ولم يقولوا : «ما أقعده» ، لئلا يلتبس بـ «ما أقعده من أب» ، ولم يقولوا : «ما أجلسه» ، حملا على «ما أقعد» لأنّه في معناه أو حملا على «ما أقومه» لأنّه نقيضه ، ولم يقولوا : «ما أسكره» ، لئلا يلتبس بقولهم : «ما أسكر التمر» ، إذا كان من السكّر.
وأما «ما أنومه» ، و «ما أغضبه» ، و «ما أقيله» فلم نقل استغنت عنها بالتعجب بـ «أشدّ» وما في معناها وكلّ ما ذكرنا أنّه لا يجوز التعجب منه ، فإنّ العرب إذا أرادت التعجب منه أتت بفعل يجوز أن تتعجب منه ، ونصبت مصدر ذلك الفعل الذي قصدت التعجب منه على أنّه مفعول له ، فتقول : «ما أشدّ استخراجه للمال» ، و «ما أبين حمرته» ، و «ما أسوأ عماه» ، وكذلك جميع ما لا يتعجّب منه.
[٢ ـ مذاهب النحاة في «ما»] :
وفي «ما» في ما أفعله خلاف بينهم ، فمذهب أبي الحسن الأخفش أنّها موصولة ، والفعل الذي بعدها صلة لها ، والخبر محذوف ، والتزم حذفه كما التزم حذف خبر المبتدأ الواقع بعد «لو لا» ، إذ لا يسوغ عنده أن تكون اسما تاما ، لأنّ «ما» لا تكون عنده اسما تاما إلّا في الشرط والاستفهام أو يلزمها النعت ، نحو : «مررت بما معجب لك» ، وهذا فاسد لأنه إذا جعلها موصولة كانت معرفة ، فيناقض ذلك معنى التعجب ، لأنّ التعجب لا يكون إلا من خفيّ السبب.