فإن اعتذر بأنّ الإبهام في حذف الخبر ، فنقول : هذا الخبر لا يخلو أن يكون حذفه للدلالة عليه أو لغير دلالة ، فإن كان للدلالة عليه ، فهو بمنزلة الثابت ، فلا إبهام فيه ، وباطل أن يكون لغير دلالة ، لأنّ الحذف من غير دليل غير موجود في كلام العرب ، وأيضا فإنه يؤدي جعلها اسما تاما والفعل الذي بعدها في موضع الخبر إلى الابتداء بالنكرة من غير شرط.
وأيضا فإنّ هذا المذهب يؤدي إلى ادعاء حذف ما لم يلفظ به في موضع من المواضع ، ولو كانت بمنزلة «الذي» للفظ بخبرها في موضع.
ومذهب سيبويه ، رحمهالله ، أنها اسم تامّ بغير صفة ولا صلة ، وما بعدها في موضع الخبر.
فإن قيل : إنّ ذلك يؤدي إلى ما ذكره أبو الحسن الأخفش من الابتداء بالنكرة من غير شرط ، فالجواب : إنّ الذي سوّغ الابتداء بالنكرة ما دخل الكلام من معنى التعجّب ، فجاز لذلك كما جاز : «عجب لزيد».
فإن قيل : فإنّ «ما» لم تقع تامة من غير صلة ولا صفة إلّا في الشرط والاستفهام ، فالجواب : إنّ ذلك قد جاء قليلا ، حكي من كلامهم : «غسلته غسلا نعمّا» ، و «لأمر ما جدع قصير أنفه» (١). ألا ترى أنّ «ما» لا يخلو أن تكون زائدة أو غير زائدة. وباطل أن تكون زائدة لأنّه يؤدي إلى إخلاء الفعل ، وهو «نعم» ، من فاعل ظاهر أو مضمر ، فثبت أنّها اسم وليس لها صلة.
والصحيح إذن مذهب سيبويه رحمهالله.
[٣ ـ مذاهب النحاة في «أفعل»] :
وفي «أفعل» أيضا خلاف بين النحويين. فمنهم من ذهب إلى أنّه اسم (٢) واستدلّ على
__________________
(١) هذا القول من أمثال العرب ، وقد ورد في أمثال العرب ص ١٤٦ ؛ وخزانة الأدب ٨ / ٢٧٥ ، ٩ / ٣٢٠ ؛ والدرّة الفاخرة ١ / ١٠٦ ؛ والمستقصى ٢ / ٢٤٠ ؛ ومجمع الأمثال ٢ / ١٩٦ ؛ والوسيط في الأمثال ص ٢٠٣.
وقصير هو صاحب جذيمة الأبرش ، وهو الذي أخذ بثأره من الزبّاء التي قالت هذا القول عند ما رأت قصيرا يدخل المدينة وقد جدع أنفه تمويها واحتيالا.
(٢) انظر المسألة الخامسة عشرة من مسائل الإنصاف في مسائل الخلاف ص ١٢٦ ـ ١٤٨.