وإنّما لم يجز إضمار الجازم وإبقاء عمله ، لأنّ عوامل الجزم أضعف من عوامل الجرّ ، وعوامل الجرّ لا يجوز إضمارها وإبقاء عملها ، فالأحرى أن لا يجوز في الجازم الذي هو أضعف منه.
واستدل أهل الكوفة على أنّه معرب بأن قالوا : إن البناء لزوم آخر الاسم سكونا أو حركة. ولم يوجد الحذف من علامات البناء ، والعرب تقول : «اغز» ، و «ارم» ، و «اخش» ، فتحذف آخره ، فدلّ ذلك على أنّه معرب ، وليس بمبنيّ.
وهذا لا حجة فيه ، لأنّ المبنيّ إذا أشبه المعرب ، عومل معاملته في غير موضع. دليل ذلك النداء ، تقول : «يا زيد العاقل والعاقل» ، فتنعته على اللفظ والموضع ، والمبنيّ لا ينعت إلّا على الموضع ، لكنه لما أشبه المعرب عومل معاملته ، فكذلك : «اغز» ، إنّما حذف آخره لأنّه أشبه «التغز» ، في معناه وحروفه ، فلذلك عومل معاملته ، فحذف آخره ، فثبت أنّه مبنيّ.
وأما الاسم فمعرب إلّا ما أشبه الحرف كالمضمرات والموصولات ، فإنّها أشبهت الحروف في الافتقار ، أو تضمّن معناه كأسماء الشرط والاستفهام ، ألا ترى أنّ الأسماء الشرطية تضمنت معنى «إن» الشرطية ، وأسماء الاستفهام تضمنت معنى همزة الاستفهام ، أو وقع موقع المبنيّ كالمناديات وأسماء الأفعال ، فالمناديات وقعت موقع ضمائر الخطاب ، وهي مبنيّة ، وأسماء الأفعال وقعت موقع الفعل وهو مبنيّ ، أو ضارع ما وقع موقع المبنيّ ، وهو كل اسم معدول لمؤنّث على وزن «فعال» ، أو أضيف إلى مبنيّ ، نحو [من الطويل] :
على حين عاتبت المشيب على الصبا |
|
... (١) |
ونحو قوله [من البسيط] :
لم يمنع الشرب منها غير أن نطقت |
|
حمامة في غصون ذات أو قال (٢) |
أو خرج على نظائره ، كـ «أيّ» من الموصولات ، فإنّها فارقت سائر الموصولات في أنّها إذا وصلت بالمبتدأ والخبر ، ولم يكن في الصلة طول ، جاز حذف المبتدأ في فصيح الكلام ، نحو : «جاءني أيّهم قائم» ، ولا يجوز في غير «أيّ» إلّا ضرورة ، أو في قليل من
__________________
(١) تقدم بالرقم ١١.
(٢) تقدم بالرقم ١٠