الكلام في قراءة من قرأ : (تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ)(١). وزعم الفارسي أنّه لا يجوز أن يبنى الاسم إلّا لشبهه بالحرف أو لتضمّنه معناه ، فلا يجوز عنده أن يبنى الاسم لوقوعه موقع اسم مبنيّ ، لأنّ الأسماء ليس أصلها البناء ، فلا يحمل عليها غيرها فيما هو فرع فيها. ولا يجوز عنده أيضا أن يبنى لوقوعه موقع فعل مبنيّ ، لأنّ الأسماء إذا أشبهت الأفعال فإنّما ينبغي أن تمنع الصرف لا أن تبنى. واعتذر عن بناء الاسم المنادى بأنّه وقع موقع ضمير الخطاب ، والغالب عليه الحرفية ، فكأنه مبنيّ لوقوعه موقع الحرف.
والدليل على أنّ الغالب الحرفية ، أنّه إذا كان فيه معنى الحرف ، وقد يتجرد لمعنى الحرفية ، ألا ترى أنّك تقول : «ضربت» فتكون التاء اسما وتعطي الخطاب ، وقد تتجرد للخطاب في نحو : «أنت» ، فتكون حرفا.
وأمّا أسماء الأفعال ، نحو : «دراك» ، فبنيت لتضمّنها معنى لام الأمر ، ألا ترى أنّ «دراك» في معنى «لتدرك».
وأمّا «شتّان» ، و «وشكان» ، و «سرعان» فبنيت وإن لم تتضمّن معنى الحرف لأنّ الغالب على أسماء الأفعال أن تكون بمعنى الأمر ، ولا تجيء بمعنى الخبر إلّا قليلا ، فعوملت معاملة أسماء الأفعال إذا كانت بمعنى الأمر.
وأمّا «أيّ» فله أن يأخذ بمذهب الخليل أو يونس ، فلا تكون عنده مبنية. وأمّا «حذام» و «يسار» وأمثاله ، فله أن يذهب فيه إلى مذهب الربعي من أنّه مبنيّ لتضمّنه معنى علامة التأنيث ، لأنّ «حذام» معدول عن «حاذمة» ، و «يسار» معدول عن «ميسرة».
وهذا المذهب فاسد ، بدليل بناء الاسم لإضافته إلى مبني وإن لم يشبه الحرف ولا تضمّن معناه ، وقد تقدّم. فالصحيح ما قدّمناه.
واختلف أهل الكوفة وأهل البصرة في الإعراب ، هل هو أصل في الأسماء والأفعال أو أصل في أحدهما فرع في الآخر.
فزعم أهل البصرة أنّ الإعراب أصل في الأسماء فرع في الأفعال. وزعم أهل الكوفة
__________________
(١) سورة الأنعام : ١٥٤.