أنّ الإعراب أصل في الأسماء والأفعال.
استدل أهل البصرة على أنّ الإعراب أصل في الأسماء بأنّه قد افتقر إليه فيها بدليل أنّك إذا قلت : «ضرب زيد عمرا» ، فلو لا الإعراب لالتبس الفاعل بالمفعول ، وكذلك إذا قلت : «ما أحسن زيد» ، لو لا الإعراب لم تدر : هل تعجبت ، أو نفيت ، أو استفهمت (١) ، والفعل ليس كذلك ، فلما كان هذا في بعض الأسماء حمل سائرها عليها. وأما الفعل فلم يفتقر إليه.
واستدل أهل الكوفة على أنّ الإعراب أصل فيهما بنحو ما استدلّ به أهل البصرة على أنّه أصل في الأسماء من أنّه قد افتقر إليه في الأفعال ، ألا ترى أنّك إذا قلت : «لا تأكل السمك وتشرب اللبن» ، وحذفت الإعراب لم تدر هل نهيت عنهما على كل حال ، أو عن الجمع بينهما ، أو عن أحدهما وأبحت الآخر (٢).
وكذلك أيضا قالوا : إذا قلت : «لتضرب زيدا» ، وتسقط الإعراب لم تدر هل اللام لام «كي» أم لام الأمر (٣) ، وكذلك إذا قلت : «لا تضرب زيدا» وتسقط الإعراب لم تدر هل «لا» للنهي أو للنفي (٤).
وهذا الذي استدلّ به أهل الكوفة لا حجة فيه.
أما استدلالهم بـ «لا تأكل السمك وتشرب اللبن» ، فلو سقط الإعراب لظهر الناصب ، وهو «أن» ، والجازم وهو لام الأمر (٥) ، لأنّ النصب في الثاني بإضمار «أن» ، والجزم على العطف ، والرفع على القطع ، فكانت هذه المعاني لا تلتبس. وكذلك أيضا استدلالهم بـ «لتضرب زيدا» ، لا حجّة فيه لأنّ الأمر لا يقع إلّا صدرا ولام «كي» لا تقع إلّا بعد تقدّم كلام ، تقول : «جئت لتضرب». وكذلك أيضا استدلالهم بـ «لا تضرب زيدا» ، لأنّا لو حذفنا الإعراب لم يلتبس ، لأنّ للنفي حروفا أخر غير «لا» مثل «لن» و «لم» و «ما» ، فكنّا نأتي بواحد من هذه الحروف.
والدليل أيضا على أنّ الإعراب فرع في الأفعال أصل في الأسماء أنها كلها معربة إلّا ما
__________________
(١) تقول في التعجب : «ما أحسن زيدا»! وفي النفي : «ما أحسن زيد» ، وفي الاستفهام : «ما أحسن زيد»؟ فتفرّق بين التعجب والنفي والاستفهام بالإعراب.
(٢) تقول في النهي عنهما في كل حال : «لا تأكل السمك وتشرب اللبن» ، وتقول في النهي عن الجمع بينهما : «لا تأكل السمك وتشرب اللبن» ، وتقول في النهي عن أكل السمك وإباحة شرب اللبن : «لا تأكل السمك وتشرب اللبن».
(٣) تقول إذا كانت اللام لام «كي» : «لتضرب زيدا» ، وإذا كانت لام الأمر : «لتضرب زيدا».
(٤) تقول في النهي : «لا تضرب زيدا» ، وفي النفي : «لا تضرب زيدا».
(٥) كذا ، والصواب «لا» الناهية.