يناسبه ، وما حرّك بغير ذلك مما ذكرنا ، فينبغي أن تكون حركته فتحة ، لأنّها أخف الحركات. ولا يعدل عن الكسرة في حركة التقاء الساكنين ، ولا عن الفتح فيما عدا ذلك إلّا لموجب ، والموجب الإتباع نحو «مذ» ، أو طلب التخفيف ، نحو : «أين» أو مناسبة العمل ، نحو : «لزيد» و «بزيد» (١). أو لمناسبة المعنى ، نحو : (اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ)(٢). فإنّ الضمة من الواو والواو من علامات الجمع.
أو لكون الحركة لم تكن له في حال الإعراب ، نحو : «قبل» و «بعد» ، فإنّهما إذا أعربا في الإضافة لم يكونا إلّا منصوبين أو مخفوضين ، نحو : «قبلك» و «من قبلك». أو بحركة الأصل ، نحو : «مذ اليوم» ، لأنّه مخفف من «منذ». أو بحركة ما أشبهه ، نحو : «لو استطعنا» ، فإنّ واو «لو» مشبهة بواو «سيروا» ، ولذلك حركت بالضم ، نحو : «يا زيد» ، فإنّه حرك بحركة «قبل» لأنّه أشبهه في أنّه معرب في حال الإضافة مبنيّ في حال الإفراد.
والفعل لا يخلو من أن يكون أمرا ، أو مضارعا ، أو ماضيا. فالأمر لا سؤال فيه لأنّه مبنيّ على السكون إلّا أن يكون مضاعفا ، فإنّه يحرّك لالتقاء الساكنين بالفتح والضم والكسر. فالفتح طلب للتخفيف ، وقد يكون اتباعا ، نحو : «عضّ». والكسر على أصل التقاء الساكنين ، وقد يكون اتباعا ، نحو : «قرّ» ، واتباعا ، نحو : «مدّ» (٣).
وأمّا الماضي فمبني على الفتح ، فأمّا بناؤه فلا سؤال فيه ، وأمّا بناؤه على حركة ففيه سؤالان ، إذ أصل البناء أن يكون على السكون.
والجواب : إنّ الفعل الماضي أشبه الاسم لوقوعه موقعه ، تقول : «مررت برجل قام» ، كما تقول : «مررت برجل قائم» ، وأشبه أيضا الفعل المضارع بوقوعه موقعه ، تقول : «إن قام قمت» ، كما تقول : «إن يقم أقم» ، فلما أشبه المتمكّن ، كانت له بذلك مزيّة على فعل الأمر ، فبني على حركة لذلك ، وكانت الحركة فتحة طلبا للتخفيف. فإن شئت قلت : إنّ الحركات ثلاث : فتح وضم وكسر. والكسر متعذّر لأنّه نظير الخفض ، فكما أنّ الخفض لا يدخل الفعل فكذلك نظيره ، والضم متعذّر لأنّ من العرب من يقول في الجمع : الزيدون
__________________
(١) يريد أن لام الجر وباء الجرّ بنيا على الكسر لأنّ عملهما الجرّ.
(٢) سورة البقرة : ١٦.
(٣) كذا ، ولعل فيه سقطا.