فإن قيل : لو كانت زائدة لم تلزم كما لم تلزم في مثل : (كَفى بِاللهِ شَهِيداً)(١). فالجواب : إنّ الباء لزمت هنا إصلاحا للفظ ، وذلك أنّ فعل الأمر بغير لام لا يكون فاعله مظهرا إلّا في هذا الباب ، فدخلت الباء حتى يصير في اللفظ كأنّه مفعول ، فإن قيل : فلأيّ شيء جاء فاعله مظهرا وهو أمر؟ فالجواب : إنّه إنّما جاء ذلك لأنّه ليس بأمر صحيح ، ألا ترى أنّ معناه التعجب ، ونظير ذلك في أنّ اللفظ لفظ الأمر والمعنى على غير ذلك قول الله تبارك وتعالى : (قُلْ مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا)(٢). فمعناه : فيمدّ. وهذا الأمر من «أفعل» الذي معناه : صار ذا كذا ، نحو : «أبقلت الأرض» ، أي : صارت ذات بقل ، و «أجنى الشجر» ، صار : ذا جنى ، ودليل ذلك أنّ همزته همزة قطع ، ولو كان من فعل ثلاثي لكانت همزته همزة وصل.
ومنهم من جعل فاعله مضمرا وجعل المجرور في موضع مفعول. وهؤلاء اختلفوا فمنهم من جعل الضمير يعود على الحسن ، كأنّه قال : أحسن يا حسن زيدا ، ولذلك كان مفردا على كلّ حال.
ومنهم من جعل الضمير عائدا على المخاطب ، ولم يبرز في تثنية ولا جمع لأنه جرى مجرى المثل. وهذان المذهبان فاسدان ، بدليل أنّه لو كان كذلك ، لم يخل أن يكون منقولا من «أفعل» المتعدّية أو من «أفعل» غير المتعدّية. وباطل أن يكون من «أفعل» المتعدّية ، إذ لو كان كذلك لوجب أن يقول : «أحسن زيدا» ، فتوصله إلى المفعول بنفسه ، فثبت أنّه منقول من «أفعل» غير المتعدّية. وإذا ثبت ذلك ، ثبت أنّ الظاهر في موضع الفاعل ، وهذا مع أنّ أحد الوجهين فاسد ، بدليل عدم الظهور في التثنية والجمع ، أعني مذهب من زعم أنّ الفاعل ضمير المخاطب.
[٩ ـ التعجّب من الفعل الثلاثيّ] :
ويجوز التعجب من كلّ فعل ثلاثيّ تنقله إلى «فعل» مضموم العين ، وإذا فعلت ذلك به
__________________
(١) الرعد : ٤٣.
(٢) مريم : ٧٥.