باب «ما»
كلّ حرف يليه الاسم مرّة والفعل أخرى ، فبابه أن لا يعمل ، وما انفرد بأحدهما ولم يكن كالجزء منه عمل فيما انفرد به.
وتحرّزت بقولي : «ولم يكن كالجزء منه» ، من السين ، وسوف ، وقد ، ولام التعريف. ألا ترى أنّ اللام تنفرد بها الأسماء ولا تعمل مع ذلك فيها ، لأنّها تنزّلت منزلة الجزء منها ، ولذلك لم يعتدّ بها فاصلة بين العامل في الاسم وبين الاسم في نحو : «مررت بالرجل» ، فلو لا أنّها كالجزء من الاسم لم يجز الفصل بها بين حرف الجر والمجرور.
وكذلك قد والسين وسوف ، تنزّلت من الفعل منزلة حرف من حروفه بدليل دخول اللام عليها ، قال الله تعالى : (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى)(١). فلو لا أنّها بمنزلة حرف من حروف الفعل لما جاز الفصل بها بين اللام والفعل بـ «أنّ» وأخواتها. وحروف الجر إنّما عملت في الأسماء لانفرادها بها ، والنواصب والجوازم إنّما عملت في الأفعال لانفرادها بها ، وما لم ينفرد نحو همزة الاستفهام وما أشبهها فإنّه غير عامل.
و «ما» لم تختص ، فكان القياس فيها أن لا تعمل ، إلّا أنّها لما كان لها شبهان : شبه عام وشبه خاص عملت.
فشبهها العام شبهها بالحروف غير المختصة في كونها تليها الأسماء والأفعال ، وشبهها الخاص شبهها بـ «ليس» ، وذلك أنّها للنفي كما أنّ «ليس» كذلك ، وداخلة على المبتدأ والخبر كما
__________________
(١) الضحى : ٥.