باب الحروف التي ترفع ما بعدها بالابتداء والخبر
وتسمى حروف الرفع
هذه الترجمة ظاهرها التناقض ، وذلك أنّها إذا كانت رافعة فلا يتصور أن يكون ما بعدها مرفوعا بالابتداء ، لأنّ المبتدأ معرّى من العوامل اللفظية ، فكيف يتصور في الشيء الواحد في حين واحد أن يكون معرّى من العوامل اللفظية عامل فيه لفظ قبله.
وهذا الاعتراض مندفع بأن يكون فاعل ترفع ضمير المخاطب ، كأنّه قال : ترفع أيها المخاطب ما بعدها بالابتداء والخبر. وقد روي : يرتفع ما بعدها بالابتداء والخبر ، فعلى هذه الرواية لا طعن فيه أصلا (١).
وقصده في هذا الباب أن يذكر كل كلمة يجوز وقوع المبتدأ والخبر بعدها ، وليست الكلمة المتقدمة لازمة للكلام ، بل يجوز إسقاطها ، فيبقى ما بعدها كلاما مستقلّا بنفسه ، ويشترط أن تكون تلك الكلمة لا تكون إلّا مصدرا. فإن قيل : فقد ذكر في هذا الباب حروفا وغير حروف ، والترجمة تقتضي أنّ كل ما يقع في الباب إنما هو من جنس الحروف.
فالجواب عن هذا أحد شيئين : إمّا أن يكون أخذ الحرف بمعنى الكلمة فيقع إذ ذاك على الاسم ، والفعل ، والحرف. وإما أن يكون جعل «أين» ، و «كيف» و «متى» حروفا مجازا لتضمّنها معنى الحرف ، وكذلك «بينما» و «بينا» أطلق عليها لفظ الحرف لشبهها به فيما ذكرناه من وقوع المبتدأ والخبر بعده ولزوم الصدرية.
فإن قيل : لأيّ شيء لم يذكر في هذا الباب «ما» و «لا»؟ فالجواب عن ذلك : أنّه إنّما لم يذكرهما في هذا الباب لأنّهما لم يحدثا فيما بعدهما معنى من المعاني ، فلذلك كانتا
__________________
(١) يريد بقوله : «فعلى هذه الرواية» أنّه جاء في بعض نسخ الجمل كذا.