فقال «لبّي» ، فلو كان أصله «لبّى» لقال : لبّاي ، على الفتح أو «لبّيّ» على القليل. فإن قيل : فكيف جاءت مثناة وليس المعنى على التثنية؟ فالجواب : إنّ التثنية قد تجيء للتكثير ، ولا يراد بها تشفيع الواحد ، كأنّ المعنى يجيء عليها : تحنّنا بعد تحنّن. وكذلك «دواليك» ، أي : مداولة بعد مداولة ، و «هذاذيك» ، أي : هذّا بعد هذّ ، و «سعديك» : إجابة بعد إجابة ، و «لبّيك» : لزوما لطاعتك بعد لزوم. وكذلك الكاف المتّصلة بها ضمائر ، وحذفت نون التثنية للإضافة إلى الضمير.
وزعم الأعلم أنّ الكاف حرف خطاب لا موضع له من الإعراب مثلها في : «أبصرك زيدا» ، يريد : «أبصر زيدا» ، وحذفت النون لشبهها بالإضافة ، ولأنّ الكاف اتصلت بالاسم كاتصالها بـ «ذلك» ، والنون تمنعها من ذلك ، فحذفت لذلك.
على أن جعل الكاف في «دواليك» ، و «سعديك» ، و «لبيك» أسماء مضاف إليها المصدر يفضي إلى إفساد المعنى ، لأنّ المصدر إذا أضيف إلى غير فاعل الفعل الناصب له كان مصدرا ، نحو : «ضربتك ضربا» ، فيلزم أن يكون المعنى في البيت : تداولنا مداولتك ، أي : مثل مداولتك ، وكذلك «سعديك» أي : أجبتك إجابتك لغيرك ، وكذلك «لبيك» : أي ألزم طاعتك لزومك طاعة غيرك ، وليس المعنى على شيء من ذلك ، فلذلك جعل الكاف حرف خطاب.
وهذا الذي ذهب إليه لا يلزم ، لأنّه لا يسوغ أن يكون المعنى في «سعديك» أي : أجبتك إجابتك لغيرك إذا أجبته ، وكذلك «لبّيك» أي : ألزم طاعتك لزومك طاعة غيرك إذا لزمتها ، وكذلك «دواليك» ، أي : تداولنا مثل مداولتك إذا داولت كما قالوا : «دققته دقّك يا
__________________
و «التاء» : للتأنيث. لهم : «اللام» : حرف جر ، «الهاء» : ضمير متصل في محل جر بحرف الجر ، «الميم» : للجمع. والجار والمجرور متعلقان بالفعل هدرت. شقاشق : فاعل مرفوع بالضمة. أقوام : مضاف إليه مجرور. فأسكتها : «الفاء» : حرف عطف ، «أسكتها» : فعل ماض مبني على الفتح و «ها» : ضمير متصل في محل نصب مفعول به. هدري : فاعل مرفوع بالضمة المقدرة على ما قبل الياء ، و «الياء» : ضمير متصل في محل جر بالإضافة.
وجملة «دعوني» : ابتدائية لا محل لها. وجملة «هدرت» : في محل جر بالإضافة. وجملة «أسكتها هدري» : معطوفة على ما قبلها في محل جر. وجملة «لبّي وعامله» اعتراضية لا محل لها.
والشاهد فيه قوله : «لبّيّ» حيث جاء مثنّى «لبّ».