يجوز ذلك بقياس أصلا. فإن ورد به السماع ، نحو : «مررت برجل حجر الرأس» ، يحفظ ولا يتعدّى ، فلذلك جعله سيبويه على إضمار فعل.
ومنها المصادر الموضوعة موضع الخبر في المبالغة ، نحو : «ما أنت إلّا سيرا» ، و «ما أنت إلا شرب الإبل» ، تريد : ما أنت إلا تسير سيرا ، وما أنت إلّا تشرب شرب الإبل ، فحذفت الفعل الذي هو خبر ، وأقمت المصدر مقامه ، ولا يجوز إظهاره ، لأنّ ما تريد من المبالغة في الشرب والسير يسوغ التزام الإضمار فيه في اللفظ بمنزلة إذا قلت : إنّما أنت شرب الإبل وإنّما أنت سير ، فرفعت وجعلت السير والشرب مبالغة.
وأما «مرحبا» ، و «سهلا» ، و «أهلا» فعلى تقدير : صادفت مرحبا ، أي : رحبا وسعة. وكذلك «أهلا» ، أي : صادفت من يقوم لك مقام الأهل. و «سهلا» ، أي : صادفت لينا وخفضا لا خوفا.
ولما كانت هذه المصادر يكثر استعمالها لكل قادم من السفر كما ذكرنا ، جرت في كثرة الاستعمال مجرى المثل ، فالتزم إضمار الفعل لذلك.
وأما «سبّوحا قدّوسا ، ربّ الملائكة والروح» ، فعلى تقدير : كبّرت سبّوحا أي مبرّأ منزّها مما ينسب إليه الملحدون.
وكذلك «قدّوسا» على تقدير : ذكرت أو نزّهت قدّوسا ، أي : مقدّسا ، والمقدّس : المطهر. وكذلك رب الملائكة والروح ، أي : حافظهم.
وأما «إن تأت فأهل الليل والنهار» ، فعلى تقدير : تجد أهل الليل والنهار ، أي : من يقوم لك مقام أهلك في الليل والنهار. ولكن لم يظهر الفعل لجريانه مجرى المثل في كثرة الاستعمال ، إلّا أنه كلام كثر استعماله في معناه من المسرّة والإلطاف للمخاطب.
وأما «كلّ شيء ولا هذا» ، و «كلّ شيء ولا شتيمة حرّ» ، فعلى تقدير : ائت كلّ شيء ولا تقرب شتيمة حرّ ، لكن لم يظهر لكثرة الاستعمال ، ألا ترى أنّه قد كثر استعماله في كثرة التحذير عن الشيء.
وأما «ديار فلانة» ، فمنصوب على إضمار فعل تقديره : اذكر ديار فلانة. فإن قلت : وما الدليل على هذا الفعل؟ فالجواب : إنّ الشعراء كثيرا ما يقدمون في أشعارهم ذكر الديار ووصف الأطلال ، فإذا قال بعد ذلك : «ديار فلانة» ، فكأنه قال : ذكرت ديار فلانة. وكل ما