باب «نعم» و «بئس»
[١ ـ اختلاف النحاة فيهما] :
اعلم أنّ «نعم» و «بئس» من قبيل الأفعال إلّا أنّ النحويين أفردوا لهما بابا ، لأنّ لهما أحكاما ليست لغيرهما من الأفعال ، وسنذكرها إن شاء الله تعالى.
واختلف هل هما فعلان أم لا ، منهم من ذهب إلى أنّهما فعلان وهم أهل البصرة ، ومنهم من ذهب إلى أنّهما اسمان وهو الفراء وكثير من أهل الكوفة (١). والذي ذهب إلى أنّهما فعلان استدلّ على ذلك برفعهما الفاعل ، وليسا من قبيل الأسماء العاملة عمل الفعل ، وبنائهما على الفتح ، ولو كانا اسمين لكانا معربين إذ لا موجب لبنائهما ، وبتحملهما الضمير في قولك : «نعم رجلا زيد» ، بل قد حكى : نعما رجلين الزيدان ، ونعموا رجالا الزيدون ، على ما يبيّن بعد إن شاء الله تعالى ، أو بلحاق علامة التأنيث لما على حدّ ما تلحق الأفعال ، أعني أنّها تسقط مع المذكر وتثبت مع المؤنث ، نحو : «نعم الرجل» ، و «نعمت المرأة».
والذاهبون إلى أنّهما اسمان استدلّوا على صحّة مذهبهم ، بكونهما لا مصدر لهما وبكونهما لا يتصرّفان ، وهذا الذي استدلّوا به لا حجّة فيه ، لأنّه قد وجد من الأفعال ما لا يتصرّف ولا مصدر له كـ «عسى».
واستدلّوا أيضا بدخول حرف الجر عليهما وحكوا من كلام العرب : «نعم السير على بئس العير». وحكى عن بعض العرب أنّه ولد له بنت قيل له : نعم الولد هي ، فقال : والله ما
__________________
(١) انظر المسألة الرابعة عشرة في الإنصاف في مسائل الخلاف ص ٩٧ ـ ١٢٦.