باب «حبّذا»
[١ ـ اختلاف النحاة فيها] :
اعلم أنّ «حبّذا» مركّبة من «حبّ» و «ذا» ، إلا أنّ النحويين اختلفوا فيها فمنهم من ذهب إلى أنّ «حبّ» مع «ذا» لم يجعلا كشيء واحد ، بل «ذا» عندهم فاعل «حبّ» والاسم الواقع بعد اسم الإشارة يجوز فيه على مذهب هؤلاء من الإعراب ما يجوز في اسم الممدوح أو المذموم في باب «نعم» و «بئس» ، فيكون خبر ابتداء مضمر ، وكأنّه قال : «هو زيد» ، أي : المحبوب زيد ، أو مبتدأ والخبر محذوف ، والتقدير : زيد المحبوب ، فحذف الخبر ، أو يكون مبتدأ و «حبّذا» في موضع خبره ، واستغنى باسم الإشارة عن الضمير ، كما كان ذلك في قوله تبارك وتعالى : (وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ)(١). في قراءة من رفع «لباس التقوى» ، أي : هو خير.
والذاهبون إلى أنّ «حبّذا» ليست بمنزلة كلمة واحدة منهم من زعم أنّ إفراد العرب لها في جميع الأحوال وكونها لم تتغيّر بالنظر إلى التثنية والجمع شذوذ. فلذلك لم يقل : «حبّذان» ولا «حبّ أولاء» بل جرى مجرى المثل ، فكما لا يتغيّر المثل بل يبقى على صورة واحدة ، فكذلك هو ، ألا ترى أنّك تقول : «الصيف ضيّعت اللبن» (٢) للمفرد ، والمثنى ،
__________________
(١) الأعراف : ٢٦.
(٢) هذا القول من أمثال العرب ، وقد ورد في أمثال العرب ص ٥١ ؛ وجمهرة الأمثال ١ / ٣٢٤ ، ٥٧٥ ؛ وخزانة الأدب ٤ / ١٠٥ ؛ والدرّة الفاخرة ١ / ١١١ ؛ والفاخر ص ١١١ ؛ وفصل المقال ص ٣٥٧ ، ٣٥٨ ، ٣٥٩ ؛ وكتاب الأمثال ص ٢٤٧ ؛ ولسان العرب ٨ / ٢٣١ (ضيع) ، ٩ / ٢٠٣ (صيف) ، ١١ / ٣١٤ (زول) ، ١٤ / ١١ (أبي) ؛ والمستقصى ١٠ / ٣٢٩ ؛ ومجمع الأمثال ٢ / ٦٨.
يضرب لمن يطلب شيئا قد فوته على نفسه.