وأما ما يؤدّي إليه إعمال الثاني في بعض المسائل من الإضمار قبل الذكر على مذهبنا ، وهو الصحيح على ما يبين بعد إن شاء الله تعالى ، ففي مقابلته ما يؤدّي إليه إعمال الأول من الفصل بين العامل والمعمول بجملة أجنبية في جميع المسائل ، وذلك لا يجوز في باب من الأبواب إلّا في هذا الباب لتداخل الجملتين ، واشتراكهما في المعمول.
فما يؤدي في بعض المسائل إلى ما يجوز في قليل من كلام العرب أولى مما يؤدي في جميع المسائل إلى ما لا يجوز في باب من الأبواب إلّا في هذا الباب خاصة. وأيضا فإنّ أكثر السماع إنّما ورد بإعمال الثاني ، وعليه نزل القرآن. قال الله تعالى : (آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً)(١). فـ «قطرا» منصوب بـ «أفرغ» ، فلو كان منصوبا بـ «آتوني» لكان : أفرغه عليه ، وقال الله تعالى : (هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ)(٢). فـ «كتابيه» منصوب بـ «اقرأوا» ولو كان منصوبا بـ «هاؤم» لكان : اقرأوه كتابيه.
فثبت بما ذكرنا أنّ الاختيار إعمال الثاني وأنّ إعمال الأول جائز ، ومنه قول الشاعر [من الوافر] :
٤٣٨ ـ ولم أمدح لأرضيه بشعري |
|
لئيما أن يكون أفاد مالا |
__________________
(١) الكهف : ٩٦.
(٢) الحاقة : ١٩.
٤٣٨ ـ التخريج : البيت لذي الرمة في ديوانه ص ١٥٣٤.
المعنى : لم أمدح لئيما لأجعله يرضى عنّي ، ويقدّم لي أمواله.
الإعراب : ولم : «الواو» : حسب ما قبلها ، «لم» : حرف جزم ونفي وقلب. أمدح : فعل مضارع مجزوم بالسكون ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (أنا). لأرضيه : «اللام» : حرف تعليل وجرّ ، «أرضي» : فعل مضارع منصوب بـ (أن) مضمرة بعد (اللام) ، و «الهاء» : ضمير متصل في محلّ نصب مفعول به ، والمصدر المؤول من (أن) والفعل (أرضي) مجرور باللام ، والجار والمجرور متعلقان بالفعل (أمدح) ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (أنا). بشعري : جار ومجرور بكسرة مقدّرة على ما قبل ياء المتكلم ، متعلّقان بـ (أرضيه) ، و «الياء» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. لئيما : مفعول به منصوب بالفتحة. أن : حرف مصدرية ونصب. يكون : فعل مضارع ناقص منصوب بالفتحة ، و «اسمه» : ضمير مستتر تقديره (هو). أفاد : فعل ماض مبني على الفتح ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هو). مالا : مفعول به منصوب بالفتحة ، والمصدر المؤول من (أن) والفعل (يكون) مجرور بجار مقدر والجار والمجرور متعلقان بالفعل (أرضي).
وجملة «ولم أمدح لئيما» : حسب ما قبلها ، أو ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «أرضيه» : صلة الموصول الحرفي لا محل لها. وجملة «يكون أفاد مالا» : صلة الموصول الحرفي أيضا. وجملة «أفاد» : في محلّ نصب خبر (يكون).