ضربته وضربني زيد إلّا في ضرورة شعر وذلك نحو قول الشاعر [من مجزوء الرمل] :
٤٤١ ـ علّموني كيف أبكي |
|
هم إذا خفّ القطين |
فأعمل في «القطين» «خفّ» وأضمر لـ «أبكي» مفعوله قبل الذكر من غير ضرورة دعت لذلك إذ قد يجوز له حذفه.
فإن كان المنصوب لا يجوز حذفه أصلا ، وذلك كأحد مفعولي «ظننت» وبابه ، ففيه للنحويين ثلاثة مذاهب ، منهم من قال : أضمره قبل الذكر. ومنهم من قال : أضمره وأؤخره وأفرّق بينه وبين الفاعل في ذلك ، كأن الفاعل إذا أضمر كان مع الفعل كالشيء الواحد ، ولذلك يسكّن له آخر الفعل في نحو : «أكرمت» و «ضربت» ، فلم يجز تأخّره لذلك لئلّا يفصل بينه وبين ما يعمل فيه بجملة وهو العامل الثاني ، وأما المفعول فجاز تأخيره لأنّه ليس مع الفعل كالشيء الواحد ، ولذلك لم يسكّنوا له آخر الفعل.
ومنهم من ذهب إلى أنّه يحذف إذ الحذف في هذا الباب إنما هو حذف اختصار ، لأنّه حذف لفهم المعنى ، وحذف الاختصار في باب «ظننت» قد تقدم الدليل على أنّه يجوز.
وهو أصحّ المذاهب ، إذ الإضمار قبل الذكر ، والفصل بين العامل والمعمول لم تدع إليهما ضرورة ، وذلك نحو : «ظنني وظننت زيدا قائما» ، فعلى المذهب الأول تقول : «ظنّنيه وظننت زيدا قائما» ، وعلى الثاني : «ظنّني وظننته زيدا قائما إيّاه» ، وعلى المذهب الثالث :
__________________
٤٤١ ـ التخريج : لم أقع عليه فيما عدت إليه من مصادر.
اللغة : خفّ القوم : ارتحلوا مسرعين. القطين : أهل الدار ، للواحد والجمع.
المعنى : لقد علّموني كيف أبكي لفراقهم عند رحيلهم مسرعين.
الإعراب : علموني : فعل ماض مبني على الضمّ ، و «الواو» : ضمير متصل في محلّ رفع فاعل ، و «النون» : للوقاية ، و «الياء» : ضمير متصل في محلّ نصب مفعول به. كيف : اسم استفهام مبني على الفتح في محلّ نصب حال. أبكيهم : فعل مضارع مرفوع بضمّة مقدّرة على الياء ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (أنا) ، و «هم» : ضمير متصل في محلّ نصب مفعول به. إذا : ظرف لما يستقبل من الزمان متعلق بالفعل (أبكيهم). خفّ : فعل ماض مبني على الفتح. القطين : فاعل (خفّ) مرفوع بالضمّة.
وجملة «علموني» : ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «أبكيهم» : في محلّ نصب مفعول به ثان لـ (علّم). وجملة «خفّ القطين» : في محلّ جرّ مضاف إليه.
والشاهد فيه قوله : «أبكيهم إذا خفّ القطين» حيث تأخر المعمول (القطين) وتقدّمه معمولان (أبكي) و (خفّ) ، فأعمل الثاني الذي يطلبه فاعلا ، وأوجد مفعولا به للأوّل (هم).