اقتصار ، والآخر أن يحذف حذف اختصار.
أما الاقتصار فلا يتصوّر لأنّك لو قلت : «قام» ، ولم تذكر الفاعل ولا أردت أن تقدّره ، لكنت قد تكلمت بغير مفيد.
وأما حذف الاختصار فلا يتصور أيضا لأنّ العرب قد جعلته مع الفعل كالشيء الواحد ، لما ذكرنا من تسكين آخر الفعل له في مثل قولك : «أكرمت» و «ضربت».
فإن قيل : الدليل على صحة مذهب الكسائي قول الشاعر [من الكامل] :
٤٤٤ ـ لو كان حيّا قبلهنّ ظعائنا |
|
حيّا الحطيم وجوههنّ وزمزم |
فأعمل في الحطيم «حيّا» الثاني ، إذ لو أعمل الأول لأضمر في الثاني كل ما يحتاج إليه باتفاق كما تقدّم ، فكان يقول : «حيّيا» ، فلما أعمل الثاني قال : «حيّا» ، وحذف الفاعل ، وكذلك أيضا قول النابغة [من الطويل] :
٤٤٥ ـ تعفّق بالأرطى لها وأرادها |
|
رجال فبذّت نبلهم وكليب |
__________________
٤٤٤ ـ التخريج : البيت لابن أذينة في الأغاني ١ / ٢٧٣ ؛ وبلا نسبة في الأغاني ١ / ٢٦٩ ؛ والكامل ص ٣٨٦.
اللغة : الظعائن : جمع ظعينة وهي المرأة في هودجها. الحطيم : جدار الكعبة. زمزم : بئر بمكّة معروفة.
المعنى : لو كان قدّم تحيّاته لأحد قبلهنّ ، لحيّا الحطيم وزمزم وجوه المسافرات الجميلات.
الإعراب : لو : حرف امتناع لامتناع حرف شرط غير جازم. كان : فعل ماض ناقص ، و «اسمه» : ضمير مستتر تقديره (هو). حيّا : فعل ماض مبني على الفتح المقدّر على الألف. قبلهن : ظرف زمان منصوب بالفتحة ، متعلق بالفعل (حيّا) ، و «هن» : ضمير متصل في محل جرّ بالإضافة. ظعائنا : مفعول به منصوب بالفتحة. حيّا : فعل ماض مبني على الفتح المقدّر على الألف. الحطيم : فاعل مرفوع بالضمّة. وجوههن : مفعول به منصوب بالفتحة ، و «هن» : ضمير متصل في محلّ جرّ مضاف إليه. وزمزم : «الواو» : حرف عطف ، «زمزم» : اسم معطوف على (الحطيم) مرفوع بالضمة.
وجملة «كان ...» : فعل الشرط لا محلّ لها. وجملة «حيّا ظعائنا قبلهنّ» : في محلّ نصب خبر (كان). وجملة «حيّا الحطيم» : جواب شرط غير جازم لا محلّ لها. وجملة «لو كان حيا .. حيا» : ابتدائية لا محل لها.
والشاهد فيه قوله : «حيّا قبلهنّ ظعائنا حيّا الحطيم» حيث تأخر المعمول (الحطيم) وتقدّم عاملان (فعلا «حيّا» الأول والثاني) ، فأعمل الثاني ، وحذف ضمير الفاعل من الأول.
٤٤٥ ـ التخريج : البيت لعلقمة الفحل في ديوانه ص ٣٨ ؛ والردّ على النحاة ص ٩٥ ؛ وشرح