باب القول
القول لا يخلو أن يقع بعده مفرد ، أو جملة. فإن وقع بعده مفرد ، فلا يخلو أن يكون مصدرا ، أو غير مصدر. فإن كان مصدرا ، فلا تحكيه ، بل تنصبه بفعله ، مثل قولك : «قال زيد قولا».
فإن كان غير مصدر ، فلا يخلو أن يكون اسما لجملة ، أو لا يكون. فإن كان اسما لجملة ، نحو أن تسمع من يقول : «لا إله إلّا الله» ، فتقول : «قال زيد حقا» ، فإنّك لا تحكيه.
واختلف فيه ، فمنهم من قال : إنّه صفة لمصدر محذوف. فإذا قال : «قال زيد حقا» ، فكأنه قال : «قال قولا حقا» ، ف «حقّا» صفة للمصدر المحذوف. وهذا باطل ، لأنّ «حقّا» ليس من الأسماء الجارية ، والوصف بالأسماء غير الجارية ليس بقياس ، وإنّما يقال منه ما سمع ، مثل قولهم : «مررت برجل حجر الرأس».
ومنهم من قال : إنّه منصوب على أنّه مفعول به ، وهو الصحيح ، إذ لا مانع من ذلك.
فإن كان المفرد ليس اسما لجملة ، ففيه خلاف. منهم من قال : لا يحكى ومنهم من قال : يحكى.
فالذي زعم أنه لا يحكى راعى فيه شبهه بالمفرد ، لأنه غير مفرد. والذي حكاه راعى شبهه بالجملة ، وذلك أنه أورد بعد القول لفظ المقول ، كما أن الجملة كذلك.
والصحيح أنه يحكى ، ولا يجوز فيه غير الحكاية ، لأن الحكاية إمّا أن ترجع إلى اللفظ ، أو إلى المعنى. وباطل أن ترجع في مثل قولك : «قال زيد : عمرو» ، إلى المعنى ، لأنّ «عمرا» اسم شخص ، والأشخاص ليست من جنس المقولات ، فلم يبق إلّا أن ترجع الحكاية إلى اللفظ. وإذا كان كذلك ، فينبغي أن تحافظ على لفظ المتكلم ، يريد من رفع ، أو نصب ، أو خفض.