وكأنها تسقط في جانب من البحر ، وإذا كان في مكان وراءه مياه آسنة حينئذ يرى الشمس فيها. الحمأة : الطين الأسود العفن ، ويبدو أن المنطقة التي بلغها ذو القرنين غربا ، كانت مليئة بالمياه الآسنة ، حتى اعتقد أن الشمس تسقط فيها ، ويقال : إنه وصل الشاطئ الغربي لمنطقة آسيا الوسطى حيث يرى الشمس وكأنها تسقط في الخلجان العديدة المنتشرة في منطقة ازمير بتركيا ، ولعل المنطقة كانت في ذلك العصر مليئة بالمياه الآسنة لكثرة هطول الأمطار في هذه البقعة من العالم في ذلك اليوم كما تشهد على ذلك البحوث العلمية الحديثة.
(قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً)
كان أمام ذي القرنين وهو صاحب السلطة أن يتخذ أحد الطريقين ، اما طريق الجور والإرهاب ، واما طريق العدل والإصلاح.
[٨٧] (قالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذاباً نُكْراً)
يقول بعض المفسرين أن الظلم هذا هو الشرك. وأن الله إنما خيّر ذا القرنين بين التعذيب والتيسير ، لأن أولئك الناس كانوا كفارا ، وكان يمكنه أن يعذبهم حتى ينزعوا عن الكفر ، كما أنه كان يمكنه أن يبدأهم بالدعوة فمن آمن منهم عدل معه ، ومن أشرك عامله بالعنف ، قال العلامة الطبرسي في مجمع البيان : (في هذا دلالة على أن القوم كانوا كفارا ، والمعنى أما أن تعذب بالقتل من أقام منهم على الشرك ، وأما أن تأسرهم وتمسكهم بعد الأمر لتعلمهم الهدى ، وتستنقذهم من العمى (١) ويبدو أن هذا التفسير أصح ويدل ذلك على : أن السلطة الإسلامية هي السلطة التي تتعامل مع الناس حسب معتقداتهم ، ولكنني أرى أن الظلم هنا إنما هو بمفهومه المعروف كاغتصاب حقوق الآخرين ، بدليل قوله سبحانه وتعالى :
__________________
(١) مجمع البيان ـ ج ٦ ص ٩٤٠