وأخذه عن جبريل ، فالأولى بالقارئ أن يقرأه على التأليف المنقول المجتمع عليه ، وقد قال ابن سيرين : تأليف الله خير من تأليفكم. ونقل القاضي أبو بكر الإجماع على عدم جواز قراءة آية آية من كل سورة.
وقد روى أبو داود في «سننه» (١) من حديث أبي هريرة : «أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم مرّ بأبي بكر وهو يقرأ يخفض صوته ، وبعمر يجهر بصوته ـ وذكر الحديث وفيه ـ فقال : وقد سمعتك يا بلال وأنت تقرأ من هذه السورة ، ومن هذه السورة ، فقال : كلام طيّب يجمعه الله بعضه إلى بعض ؛ فقال : كلكم قد أصاب». وفي رواية لأبي عبيد في «فضائل القرآن» : «قال بلال : أخلط الطّيّب بالطّيّب ، فقال : اقرأ السورة على وجهها» أو قال «على نحوها» وهذه زيادة مليحة ، وفي رواية : «إذا قرأت السورة فأنفذها» (٢).
وروى عن خالد بن الوليد «أنه أمّ الناس فقرأ من سور شتى ، ثم التفت إلى الناس حين انصرف فقال : شغلني الجهاد عن تعلّم القرآن» (٣). وروى المنع عن ابن سيرين. ثم قال أبو عبيد : الأمر عندنا على الكراهة [في قراءة] (٤) القراء هذه الآيات المختلفة ، كما أنكر رسول الله صلىاللهعليهوسلم على بلال ، وكما اعتذر خالد عن فعله ، ولكراهة ابن سيرين له. ثم قال : إن بعضهم روى حديث بلال ، وفيه : فقال النبيّ صلىاللهعليهوسلم : «كلّ ذلك حسن» وهو أثبت وأشبه بنقل العلماء» (٥) انتهى.
ورواه الحكيم الترمذي في «نوادر الأصول» (٦) ؛ وزاد : مثل بلال كمثل نحلة غدت تأكل من الحلو والمرّ ، ثم يصير حلوا كله». قال : وإنما شبّهه بالنحلة في ذلك ؛ لأنها تأكل من الثمرات : حلوها [ومرّها] (٧) وحامضها ، ورطبها ويابسها ، وحارّها وباردها ؛ فتخرج هذا الشفاء ، وليست كغيرها من الطير تقتصر على الحلو فقط لحظّ شهوته فلا جرم أعاضها الله الشفاء فيما تلقيه ؛ كقوله : «عليكم بألبان البقرة ، فإنها ترمّ من كل الشجر فتأكل» (٨) فبلال رضياللهعنه كان يقصد آيات الرحمة
__________________
(١) سنن أبي داود ٢ / ٨٢ ، كتاب الصلاة (٢) ، باب رفع الصوت بالقراءة في صلاة الليل (٣١٥) ، الحديث (١٣٣٠).
(٢) فضائل القرآن ق ٢٢ / أـ ب (مخطوطة توبنجن) باب القارئ يقرأ آي القرآن مواضع مختلفة ...
(٣) أخرجه أبو عبيد في المصدر السابق. وفي المخطوطة (تعليم القرآن).
(٤) ساقطة من المخطوطة.
(٥) فضائل القرآن ق ٢٣ / أ، الباب نفسه.
(٦) ص : ٢٣٠ ، الأصل الثالث والتسعون والمائة في تمثيل بلال رضياللهعنه بالنحلة.
(٧) ساقطة من المطبوعة.
(٨) نوادر الأصول ص : ٢٣٠.