وصفات الجنّة ، فأمره أن يقرأ السورة على نحوها كما جاءت ممتزجة ؛ كما أنزل الله تعالى : فإنه أعلم بدواء العباد وحاجتهم ، ولو شاء لصنّفها أصنافا وكلّ صنف على حدة ؛ ولكنه مزجها لتصل القلوب بنظام لا يملّ ، قال : ولقد أذهلني يوما قوله تعالى : (وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلاً* الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمنِ) (الفرقان : ٢٥ و ٢٦) فقلت : يا لطيف ؛ علمت أن قلوب أوليائك الذين يعقلون هذه الأوصاف عنك وتتراءى لهم [تلك] (١) الأهوال لا تتمالك ؛ فلطفت بهم فنسبت (الْمُلْكُ) إلى أعم اسم في الرحمة ، فقلت : (الرحمن) ليلاقي هذا الاسم تلك القلوب التي يحلّ بها الهول ، فيمازج تلك الأهوال ، ولو كان بدله اسما [٧١ / ب] آخر ، من «عزيز وجبار» لتفطرت القلوب ، فكان بلال يقصد لما تطيب به النفوس ، فأمره أن يقرأ على نظام رب العالمين ؛ فهو أعلم بالشفاء.
(مسألة) يستحب استيفاء كلّ حرف أثبته قارئ. قال الحليميّ (٢) : «هذا ليكون القارئ قد أتى على جميع ما هو قرآن ، فتكون ختمة أصحّ من ختمة إذا ترخّص بحذف حرف أو كلمة قرئ بهما. ألا ترى أنّ صلاة كلّ من استوفى كل فعل امتنع عنه كانت صلاته أجمع من صلاة من ترخص فحذف منها ما لا يضر حذفه».
(مسألة) (٣) ويستحبّ ختم القرآن في كل أسبوع ، قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «اقرأ القرآن في كل سبع ولا تزد» (٤). رواه أبو داود ، وروى الطبراني بسند جيّد : «سئل أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، كيف كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يجزّئ القرآن ، قال : كان يجزئه ثلاثا وخمسا» (٥) وكره قوم قراءته في أقل من ثلاث ، وحملوا عليه حديث : «لا يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث» (٦) رواه الأربعة ، وصحّحه الترمذي ، والمختار ـ وعليه أكثر المحققين ـ أن ذلك يختلف بحال الشخص
__________________
(١) ساقطة من المخطوطة.
(٢) في المنهاج ٢ / ٢٣٨.
(٣) في المطبوعة (فصل).
(٤) تقدم تخريج الحديث في ٢ / ٨٧ ، ولفظه في الصحيحين.
(٥) رواه الطبراني في المعجم الكبير ١ / ١٩٠ ، في معجم أوس بن حذيفة الثقفي الحديث (٥٩٩) قال : «قدمت على رسول الله صلىاللهعليهوسلم في وفد ثقيف ، فكان يخرج إلينا فيحدثنا ، فأبطأ علينا ذات ليلة ، فقلنا يا رسول الله لقد أبطأت علينا! فقال : إنه طرأ عليّ حزبي من القرآن فكرهت أن أقطعه حتى أفرغ منه ، فلما أصبحنا سألنا أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ...» وساق الحديث.
(٦) تقدم تخريجه في ٢ / ٨٧.