وقال البيهقي : أخبرنا أبو عبد الرحمن السّلمي في ذكر منصور بن عمار (١) : «أنه (٢) أوتي الحكمة وقيل : إن سبب ذلك أنّه وجد رقعة في الطريق مكتوبا عليها : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ، فأخذها فلم يجد لها موضعا ، فأكلها فأري فيما يرى النائم (٣) كأنّ قائلا [قد] قال له : قد فتح الله عليك باحترامك لتلك الرّقعة ، فكان بعد ذلك يتكلّم بالحكمة».
(مسألة) وقال الشيخ (٤) أيضا في «القواعد» : القيام للمصاحف بدعة لم تعهد في الصّدر الأوّل ، والصواب ما قاله النوويّ في «التبيان» (٥) ؛ من استحباب ذلك والأمر به لما فيه من التعظيم وعدم التهاون به. وسئل العماد بن يونس الموصليّ (٦) عن ذلك : هل يستحب للتعظيم أو يكره خوف الفتنة؟ فأجاب [٧٢ / ب] لم يرد في ذلك نقل مسموع ، والكلّ جائز ، ولكلّ نيّته وقصده.
(مسألة) وإذا احتج لتعطيل بعض أوراق المصحف لبلاء ونحوه فلا يجوز وضعه في شقّ أو غيره ليحفظ لأنه قد يسقط ويوطأ ، ولا يجوز تمزيقها لما فيه من تقطيع الحروف وتفرقة الكلم ؛ وفي ذلك إزراء بالمكتوب ـ كذا قاله الحليميّ ؛ قال : وله غسلها بالماء ، وإن أحرقها بالنار فلا بأس ، أحرق عثمان مصاحف فيها آيات وقراءات منسوخة ، ولم ينكر عليه.
__________________
(١) هو منصور بن عمار أبو السري الخراساني المحدّث الزاهد الشهير ، يروي عن الليث وابن لهيعة وعنه ابناه سليم وداود وأحمد بن منيع إليه المنتهى في بلاغة الوعظ وترقيق القلوب وتحريك الهمم ، وعظ ببغداد والشام ومصر وقد استقى مرة بالمصريين فسقوا. ت ٢٢٥ ه (الذهبي ، ميزان الاعتدال ٤ / ١٨٧).
(٢) في المخطوطة (وأن).
(٣) في المطبوعة (للنّائم).
(٤) هو العزّ بن عبد السلام تقدم ذكره في ١ / ١٣٢ ، وكتابه «قواعد الأحكام في مصالح الأنام» طبع في القاهرة بمطبعة التقوى ونشرته المكتبة الحسينية ١٣٥٣ ه / ١٩٣٤ م ، وطبع بالمكتبة التجارية بالقاهرة وطبع بدار الشروق بالقاهرة ١٣٨٨ ه / ١٩٦٨ م ، وطبع بتحقيق طه عبد الرءوف سعد بمكتبة الكليات الأزهرية بالقاهرة ١٣٨٨ ه / ١٩٦٨ م وطبع بمكتبة صبيح بالقاهرة عام ١٣٩٦ ه / ١٩٧٦ م وطبع بمكتبة القاهرة عام ١٣٩٩ ه / ١٩٧٩ م وطبع بدار الكتب العلمية ببيروت ١٤٠١ ه / ١٩٨١ م ، وطبع بدار المعرفة ببيروت ١٤٠٨ ه / ١٩٨٨ م
(٥) التبيان : ١١٢ ـ ١١٣ (طبعة دار المعرفة).
(٦) هو محمد بن يونس بن محمد ، عماد الدين ، أبو حامد بن يونس الموصلي ، أحد أئمة الشافعية. تفقه بالموصل ثم رحل إلى بغداد وسمع الحديث وعاد إلى الموصل ودرّس بها في عدة مدارس ، وعلا صيته وشاع ذكره ، كان إمام وقته له من التصانيف «المحيط» و «الوسيط» و «التحصيل» وغيرها. ت ٦٠٨ ه (السبكي ، طبقات الشافعية ٥ / ٤٥).