واعلم أن للشيء في الوجود أربع مراتب : (الأولى) حقيقته في نفسه. (والثانية) مثاله في الذهن ـ وهذان لا يختلفان باختلاف الأمم. (والثالثة) اللفظ الدّال على المثال الذهنيّ والخارجي. (والرابعة) الكتابة الدالة على اللفظ ـ وهذان قد يختلفان باختلاف الأمم ، كاختلاف اللغة العربية والفارسية ، والخط العربي والهنديّ ؛ ولهذا صنف الناس في الخط والهجاء ؛ إذ لا يجري على حقيقة اللفظ من كل وجه.
وقال الفارسيّ (١) : «لما عمل أبو بكر بن السرّاج (٢) كتاب «الخط [والهجاء]» (٣) قال لي :
اكتب كتابنا هذا ، قلت [له] (٤) : نعم إلا أني آخذ بآخر حرف منه ، قال : وما هو؟ قلت : قوله : ومن عرف صواب اللفظ عرف صواب الخط».
قال أبو الحسين بن فارس (٥) في كتاب «فقه اللغة» : «يروى أن أول من كتب الكتاب العربيّ والسرياني والكتب كلها آدم عليهالسلام قبل موته بثلاثمائة سنة ، كتبها في طين وطبخه ، فلما أصاب الأرض الغرق وجد كلّ قوم كتابا فكتبوه ، فأصاب إسماعيل الكتاب العربيّ وكان ابن عباس يقول : أول من وضع الكتاب العربيّ إسماعيل عليهالسلام (٦). قال : والروايات في
__________________
(١) هو أبو علي الفارسي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار تقدم ذكره في ١ / ٣٧٥.
(٢) هو محمد بن السري أبو بكر المعروف بابن السرّاج النحوي ، كان أحد العلماء المذكورين بالأدب وعلم العربية ، صحب أبا العباس المبرّد وأخذ عنه العلم ، روى عنه أبو القاسم الزجاجي وأبو سعيد السيرافي وعلي بن عيسى الرّماني ، وله تصانيف هامة منها : «الأصول» و «الموجز» ت ٣١٦ ه (القفطي ، إنباه الرواة ٣ / ١٤٥).
(٣) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة ، ولعل الصواب في اسمه الخط أو الهجاء ، بزيادة همزة قبل الواو ، والكتاب مخطوط بالخزانة العامة في الرباط ، بالمغرب ضمن مجموعة تحت رقم (١٠٠ ق) وقد طبع في مجلة المورد انظر مقدمة كتاب الأصول في النحو لابن السراج صفحة ١٨ ، وسماه : كتاب الهجاء أو الخط.
(٤) ما بين الحاصرتين زيادة من المطبوعة.
(٥) هو أحمد بن فارس بن زكريا تقدم ذكره في ١ / ١٩١ ، وكتابه : «الصاحبي في فقه اللغة وسنن العرب في كلامها» طبع في القاهرة بالمكتبة السلفية بتحقيق محب الدين الخطيب سنة ١٣٢٨ ه / ١٩١٠ م ، وفي القاهرة سنة ١٣٤٨ ه / ١٩٢٩ م ، وفي بيروت بتحقيق مصطفى الشويحي مؤسسة بدران للطباعة والنشر سنة ١٣٨٣ ه / ١٩٦٤ م ، وفي القاهرة مطبعة عيسى البابي الحلبي بتحقيق سيد صقر سنة ١٣٩٨ ه / ١٩٧٧ م (عبد الجبار ، ذخائر التراث العربي ١ / ١٩٩ ـ ٢٠٠).
(٦) الروايتان ذكرهما السيوطي في الإتقان ٤ / ١٤٥ النوع السادس والسبعون في مرسوم الخط وآداب كتابته ، وعزاهما لابن أشتة بسنده الأولى عن كعب الأحبار ، والثانية عن ابن عباس رضياللهعنهما.