والمثل هو المستغرب ، قال الله تعالى : (وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى) (النحل : ٦٠) ، وقال تعالى : (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ) (الرعد : ٣٥) ؛ ولما كان المثل السائر فيه غرابة استعير لفظ المثل للحال ، أو الصفة ، أو القصة ، إذا كان لها شأن وفيها غرابة.
أمّا استعارته للحال فكقوله : (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً) (البقرة : ١٧) [أي] (١) حالهم العجيب الشأن كحال الذي استوقد نارا.
وأما استعارته للوصف فكقوله تعالى : (وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى) (النحل : ٦٠) أي الوصف الذي له شأن ، وكقوله : (مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ) (الفتح : ٢٩) ، وكقوله : (كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ فَأَصابَهُ وابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً) (البقرة : ٢٦٤) وقوله (كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً) (العنكبوت : ٤١) ، وقوله سبحانه : (كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً) (الجمعة : ٥).
وأما استعارته للقصة فكقوله تعالى : (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ) (الرعد : ٣٥) أي فيما قصصنا عليك من العجائب قصة الجنة العجيبة ؛ ثم أخذ في بيان عجائبها.
لا يقال : إن في هذه الأقسام الثلاثة تداخلا ، فإن حال الشيء هي وصفه ، ووصفه هو حاله ، لأنا نقول : الوصف يشعر ذكره بالأمور الثابتة الذاتية أو قاربها من جهة (٢) اللزوم للشيء وعدم الانفكاك عنه ، وأما الحال فيطلّق على ما يتلبس (٣) به الشخص مما هو غير ذاتيّ له ولا لازم ، فتغايرا. وإن أطلق أحدهما على الآخر فليس ذلك إطلاقا حقيقيا. وقد يكون الشيء مثلا له في الجرم ، وقد يكون ما تعلقه (٤) النفس ويتوهّم من الشيء مثلا ، كقوله تعالى : (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً) (البقرة : ١٧) ؛ معناه أن الذي (٥) [يتحصل في النفس الناظر في أمرهم ، كالذي] (٥) يتحصّل في نفس الناظر من أمر المستوقد ؛ قاله ابن عطية (٦) ، وبهذا يزول الإشكال الذي في تفسير قوله : (مَثَلُ الْجَنَّةِ) (الرعد : ٣٥) وقوله : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) (الشورى : ١١) لأن ما يحصل للعقل من وحدانيته وأزليّته ونفي ما لا يجوز عليه ليس يماثله فيه
__________________
(١) ساقطة من المخطوطة.
(٢) في المخطوطة (بجهة).
(٣) في المخطوطة (يتبين).
(٤) في المخطوطة (يعقله).
(٥) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(٦) انظر المحرر الوجيز ١ / ١٧٧.