وقوله تعالى : (وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً) (النحل : ٩٢) فهذه امثال قصار وطوال مقتضبة (١) من كلام «الكشّاف» (٢).
فإن قلت : «في (٣) بعض هذه الأمثلة تشبيه أشياء بأشياء لم يذكر فيها المشبّهات ، وهلاّ صرّح بها كما في قوله تعالى : (وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَلَا الْمُسِيءُ قَلِيلاً ما تَتَذَكَّرُونَ) (غافر : ٥٨).
قلت : كما جاء ذلك تصريحا فقد جاء مطويّا ، ذكره على طريق الاستعارة ، كقوله تعالى : (وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ) (فاطر : ١٢) وكقوله : (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيانِ) (الزمر : ٢٩).
والصحيح الذي عليه علماء البيان أنّ التمثيلين من جملة التمثيلات المركّبة المقرّبة لا يتكلف لكل واحد شيء بقدر شبهه به ؛ بناء على أنّ العرب تأخذ أشياء فرادى معزولا بعضها من بعض ، تشبّهها بنظائرها ، كما جاء في بعض الآيات في (٤) القرآن. وقد تشبّه أشياء قد تضامّت وتلاصقت (٥) حتى عادت شيئا واحدا بأخرى مثلها ، وذلك كقوله تعالى : (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً) (الجمعة : ٥) فإنّ الغرض تشبيه حال اليهود في جهلها (٦) بما معها من التوراة وآياتها الباهرة بحال الحمار الذي يحمل أسفار الحكمة ، وليس له من (٧) [حملها إلا الثقل والتعب من غير فائدة] (٧) وكذلك قوله تعالى : (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ) (الكهف : ٤٥) ، المراد قلّة ثبات زهرة الدنيا كقلّة بقاء الخضرة».
وقد ضرب الله تعالى لما أنزله من الإيمان والقرآن مثلين ، مثّله بالماء ، ومثّله بالنار ، فمثّله بالماء لما فيه من الحياة وبالنار لما فيه من النور والبيان ؛ ولهذا سمّاه الله روحا (٨) لما فيه من الحياة ، وسمّاه نورا لما فيه من الإنارة ، ففي سورة الرعد [٧٥ / أ] قد مثّله بالماء فقال (٩) :
__________________
(١) في المخطوطة (مقتضب).
(٢) انظر الكشاف ١ / ٣٧ ـ ٣٨ عند تفسير قوله تعالى (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً ...) الآية.
(٣) الكشاف ١ / ٤٠.
(٤) في المطبوعة (من).
(٥) تصحفت في المطبوعة إلى (تلاحقت).
(٦) في المخطوطة (حملها).
(٧) ساقط من المخطوطة.
(٨) في المخطوطة (نورا).
(٩) في المخطوطة (فقوله تعالى).