أدخل في باب المناسبة ، بخلاف الفصال ، لأنه لا حدّ لجانب القلّة فيه ، بل يجوز أن يعيش الولد بدون ارتضاع من الأم ؛ ولهذا اعتبر فيه الأكثر ، لأنه الغالب ، ولأنه اختياري ؛ كأنه قيل : (١) حملته ستة أشهر لا محالة ، إن لم تحمله أكثر (١).
ومثله استنباط الأصوليين أنّ تارك الأمر يعاقب (٢) من قوله تعالى : (أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي) (طه : ٩٣) مع قوله : (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ) (الجن : ٢٣) ، وكذلك استنباط بعضا المتكلّمين أن الله خالق لأفعال العباد ؛ من قوله تعالى : (وَما تَشاؤُنَ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ) (الدهر : ٣٠) ، مع قوله تعالى : (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ) (القصص : ٦٨) ؛ فإذا ثبت أنه يخلق ما يشاء ، وأن مشيئة العبد لا تحصل إلا إذا شاء الله ، أنتج أنّه تعالى خالق لمشيئة العبد.
(فائدة) ولا بدّ [للمفسرين] (٣) من معرفة قواعد أصول الفقه (٤) ؛ فإنه من أعظم (٥) الطرق في استثمار الأحكام من الآيات.
فيستفاد عموم النكرة في سياق النفي من قوله تعالى : (وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً) (الكهف : ٤٩) وقوله : (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ) (السجدة : ١٧).
و [في] (٦) الاستفهام من قوله : (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا) (مريم : ٦٥).
وفي الشرط من قوله : (فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً) (مريم : ٢٦) ، (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ) (التوبة : ٦).
وفي النهي من قوله : (وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ) (الحجر : ٦٥).
وفي سياق الإثبات بعموم العلّة [و] (٧) المقتضى من قوله [تعالى] : (عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ) (التكوير : ١٤).
__________________
(١) عبارة المخطوطة : (حمله ستة أشهر لا محالة أن تحمله أكثر).
(٢) في المطبوعة : (يستحق العقاب).
(٣) ليست في المطبوعة.
(٤) انظر منهاج الوصول في معرفة علم الأصول للقاضي البيضاوي (المطبوع مع الابتهاج بتخريج أحاديث المنهاج) ص : ٤٣ ـ ١٥٠ ، الكتاب الأول في الكتاب.
(٥) عبارة المخطوطة : (فإن أعظم).
(٦) ليست في المخطوطة.
(٧) عبارة المطبوعة : (بعموم القلة المقتضى).