وتقييده من سياق الكلام ؛ كما في آية التأفيف ؛ فإنّا نعلم أن الآية إنما سيقت لاحترام الوالدين وتوقيرهما ، ففهمنا منه تحريم الشتم والضرب ، ولو لم يفهم المعنى لا يلزم ذلك ؛ لأن الملك الكبير يتصوّر أن يقول لبعض عبيده : اقتل قرني ولا تقل له : أف ؛ ويكون قصده الأمن عن مزاحمته في الملك ؛ فثبت أن ذلك إنما جاء لفهم المعنى.
فإن قيل : فإذا ابتنى الفهم على تخيّل المعنى كان بطريق القياس كما [صار] (١) إليه الشافعي.
قيل : ما يتأخر من نظم الكلام وما يتقدم فهمه على اللفظ ويقترن به لا يكون قياسا حقيقيا ، لأن القياس ما يحتاج فيه إلى استنباط وتأمّل ، فإن أطلق القائل بأنّه قياس اسم القياس عليه وأراد ما ذكرناه فلا مضايقة في التسمية.
فصل
وقد يحكم على الشيء مقيدا بصفة ، ثم قد يكون ما سكت عنه بخلافه ، وقد يكون مثله.
* فمن الأول (٢) ، قوله تعالى : (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) (الطلاق : ٢) ، وقوله : (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) (الحجرات : ٦) ؛ وقوله (وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ) (النساء : ٢٣) فاشترط أولاد الصّلب تنبيها على إباحة حلائل أولاد (٣) الرضاع (٤) ، وليس في ذكر الحلائل إباحة من وطئه الأبناء [من] (٥) الإماء بملك اليمين. وهذه الآية مما اجتمع فيه النوعان ـ أعني المخالفة والمماثلة.
وكذلك قوله : (لا جُناحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبائِهِنَّ وَلا أَبْنائِهِنَّ ...) الآية (الأحزاب : ٥٥) ، فيه وقوع الجناح في إبداء الزينة لمن عدا المذكورين من الأجانب ، ولم يكن فيه [في] (٦) إبدائها لقرابة الرضاع.
__________________
(١) ساقط من المخطوطة.
(٢) عبارة المخطوطة : وقد يكون من الأول فمثله ...
(٣) في المطبوع (أبناء).
(٤) في حاشية النسخة الخطية ما يلي : الظاهر أبناء التبني ، وإلا فحليلة ابن الرضاع لم تحرم.
(٥) ساقط من المخطوطة.
(٦) ساقط من المطبوعة.