وحكى القاضي أبو بكر (١) في «الانتصار» عن قوم إنكار هذا القسم ، لأنّ الأخبار ، فيه أخبار آحاد ، ولا يجوز القطع على إنزال قرآن ونسخه بأخبار آحاد لا حجة فيها.
وقال أبو بكر الرازيّ (٢) : نسخ الرّسم والتلاوة إنما يكون بأن ينسيهم الله إياه ويرفعه من أوهامهم ، ويأمرهم بالإعراض عن تلاوته وكتبه في المصحف ، فيندرس على الأيام كسائر كتب الله القديمة التي ذكرها في كتابه في قوله : (إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى * صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى) (الأعلى : ١٨ و ١٩) ، ولا يعرف اليوم منها [شيء] (٣). ثم لا يخلو ذلك من أن يكون (٤) [في زمن النبي صلىاللهعليهوسلم حتى إذا توفّي لا يكون] (٤) متلوا في القرآن ؛ أو يموت وهو متلوّ موجود في الرسم ، ثم ينسيه الله [تعالى] ويرفعه من أذهانهم ، وغير جائز نسخ شيء من القرآن بعد وفاة النبي صلىاللهعليهوسلم.
(فائدة) قال ابن العربي (٥) : قوله تعالى : (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ) (التوبة : ٥) ناسخة لمائة وأربع عشرة آية ، ثم صار آخرها ناسخا لأولها ، وهي قوله : (فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ) (التوبة : ٥).
[٨١ / أ] قالوا : (٦) وليس في القرآن آية من المنسوخ (٦) ثبت حكمها ست عشرة سنة إلا قوله [تعالى] في الأحقاف : (قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ) (الآية : ٩) وناسخها أول سورة الفتح (٧).
__________________
(١) هو محمد بن الطيب الباقلاني تقدم ذكره في ١ / ١١٧ ، وتقدم التعريف بكتابه الانتصار في ١ / ٢٧٨.
(٢) هو أحمد بن علي المعروف بالجصاص تقدم ذكره في ٢ / ١٢٦ وانظر قوله في كتابه : أحكام القرآن ١ / ٥٩ عند قوله تعالى (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها) من سورة البقرة.
(٣) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(٤) ساقط من المخطوطة.
(٥) هو أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد المعافري تقدم ذكره في ١ / ١٠٩ ، وقوله مأخوذ من كتاب هبة الله بن سلامة الناسخ والمنسوخ ص ٩٨ ـ ٩٩ ...
(٦) عبارة المخطوطة : (فليس في كتاب الله من المنسوخ ...).
(٧) إشارة إلى قوله تعالى : (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً* لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ...) ، وهذا النص نقله الزركشي بتصرف عن كتاب الناسخ والمنسوخ لهبة الله بن سلامة ص ١٦٠ ـ ١٦١.