ذات القرآن ، يقال : هذا كلام مختلف ، أي لا يشبه أوله آخره في الفصاحة ؛ إذ هو مختلف ، أي بعضه يدعو إلى الدين ، وبعضه يدعو إلى الدنيا. أو هو مختلف النّظم ؛ فبعضه على وزن الشعر ، وبعضه منزحف ، وبعضه على أسلوب مخصوص في الجزالة ، وبعضه [٨٢ / أ] على أسلوب يخالفه ، وكلام الله تعالى منزّه عن هذه الاختلافات ، فإنه على منهاج واحد في النظم مناسب أوله آخره ، وعلى مرتبة (١) واحدة في غاية الفصاحة ، فليس يشتمل على الغثّ والسمين ، ومسوق لمعنى واحد ؛ وهو دعوة الخلق إلى الله تعالى ، وصرفهم عن الدنيا إلى الدين ، وكلام الآدميين يتطرق إليه هذه الاختلافات ؛ إذ كلام الشعراء والمترسلين إذا قيس عليه وجد فيه اختلاف في منهاج النظم ، ثم اختلاف في درجات الفصاحة ؛ بل في أصل الفصاحة حتى يشتمل على الغثّ والسمين ، فلا تتساوى رسالتان ولا قصيدتان ، بل تشتمل قصيدة على أبيات فصيحة ، وأبيات سخيفة ، وكذلك تشتمل القصائد والأشعار على أغراض مختلفة ؛ لأن الشعراء والفصحاء (فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ) (الشعراء : ٢٢٥) ، فتارة يمدحون الدنيا ، وتارة يذمونها ، وتارة يمدحون الجبن فيسمونه حزما ، وتارة يذمونه ويسمونه ضعفا ، وتارة يمدحون الشجاعة ويسمونها صرامة ، وتارة يذمونها ويسمونها تهوّرا ، ولا ينفكّ [كلام آدميّ] (٢) عن هذه الاختلافات ، لأن منشأ هذه [الاختلافات] (٢) اختلاف الأغراض ، واختلاف الأحوال ، والإنسان تختلف أحواله ، فتساعده الفصاحة عند انبساط الطبع وفرحه ، ويتعذر عليه عند الانقباض. ولذلك تختلف أغراضه فيميل إلى الشيء مرّة ويميل عنه أخرى ، فيوجب اختلاف الأحوال والأغراض اختلافا في كلامه بالضرورة ، فلا تصادف اللسان يتكلّم في ثلاث وعشرين سنة ، وهي مدة نزول القرآن ، فيتكلم على غرض واحد ، وعلى منهج واحد ، ولقد كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم بشرا تختلف أحواله فلو كان هذا كلامه أو كلام غيره من البشر لوجد فيه اختلاف كثير ، فأما اختلاف الناس فهو تباين في آراء الناس لا في نفس القرآن ، وكيف يكون هذا المراد ، وقد قال تعالى : (يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً) (البقرة : ٢٦) ، فقد ذكر في القرآن أنه في نفسه غير مختلف ؛ وهو مع هذا (٣) سبب لاختلاف الخلق في الضلال والهدى ؛ فلو لم يختلف فيه لكانت أمثال هذه الآيات خلفا ، وهي أشد أنواع الاختلاف. والله أعلم.
__________________
(١) في المخطوطة (على درجة).
(٢) ليس في المخطوطة.
(٣) في المخطوطة (مع ذلك).