«بصر بكذا وكذا» أي علم ، وليس المراد رؤية العين ، قال الفارسي (١) : ويدل على ذلك قوله : (فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ) (ق : ٢٢) وصف البصر بالحدّة.
وكقوله تعالى : (وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ) (الأعراف : ١٢٧) مع قوله : (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى) (النازعات : ٢٤) فقيل : يجوز أن يكون معناه : ويذرك وآلهتك ، إن ساغ لهم ، وتكون إضافة الآلهة إليه ملكا ، كان يعبد في دين قومه ثم يدعوهم إلى أن يكون هو الأعلى ، كما تقول العرب : موالي من فوق [و] (٢) موالي من أسفل ، فيكون اعتقادهم في الآلهة مع فرعون أنها مملوكة له ، فيحسن قولهم : «وآلهتك».
وقوله تعالى : (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ) (الرعد : ٢٨) مع قوله : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ) (الأنفال : ٢) فقد يظنّ أن الوجل خلاف الطمأنينة ، وجوابه [أنّ] (٣) الطمأنينة إنما تكون بانشراح الصدر بمعرفة التوحيد ، والوجل يكون عند خوف الزيغ والذهاب عن الهدى فتوجل القلوب لذلك. وقد جمع بينهما في قوله :
(تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللهِ) (الزمر : ٢٣) فإن هؤلاء قد سكنت نفوسهم إلى معتقدهم ووثقوا به ، فانتفى عنهم الشك.
وكقوله : (خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) (المعارج : ٤) وفي موضع (أَلْفَ سَنَةٍ) (السجدة : ٥) وأجيب بأنه باعتبار حال المؤمن والكافر ، بدليل : (وَكانَ يَوْماً عَلَى الْكافِرِينَ عَسِيراً) (الفرقان : ٢٦).
وكقوله : (بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ) (الأنفال : ٩) وفي آية أخرى : (بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ) (آل عمران : ١٢٤) قيل إنّ الألف أردفهم بثلاثة آلاف ، وكان الأكثر مددا للأقل ، وكان الألف (مُرْدِفِينَ) (٤) بفتحها.
وكقوله تعالى : (خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ) (البقرة :
__________________
(١) هو الحسن بن أحمد بن عبد الغفار أبو علي تقدم التعريف به في ١ / ٣٧٥.
(٢) ليست في المخطوطة.
(٣) ليست في المخطوطة.
(٤) قرأ نافع (مُرْدِفِينَ) ـ بفتح الدال ـ والباقون بكسرها (التيسير ص ١١٦).